موسكو - يونيد ألكسندروفتش
شهد العالم في الأيام الماضية تصعيداً نووياً حاداً بين موسكو وواشنطن، فقد أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الروسية الجنرال يوري باليوفسكي بعد عودته من واشنطن في ديسمبر الماضي بأنه اكتشف أن الأميركيين مازالوا يعدون العدة لمواجهة روسيا التي يعتبرونها عدوهم الحقيقي والواقعي على الساحة.
وأن الاستراتيجيات العسكرية الأميركية المستقبلية كلها موجهة ومستهدفة لروسيا، وفي منتصف يناير الماضي خرج الجنرال باليوفسكي على العالم بتصريح مرعب قال فيه laquo;إن روسيا ستدافع عن مصالحها وسيادتها ووحدة أراضيها بكل قوتها العسكرية بما فيها القوة النوويةraquo;.
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي تقدمت مجموعة من الخبراء والقادة العسكريين الأميركان والبريطانيين في أواخر يناير الماضي بتقرير لقيادة البنتاجون يطالبون فيه بأن يستعد الناتو لتوجيه الضربة النووية الاستباقية قبل أن تأتيه هذه الضربة من الجانب الآخر.
ورغم أن التقرير لم يذكر اسم روسيا إلا أنه مفهوم وواضح أن الجانب الآخر الذي يملك القدرة على توجيه ضربة نووية استباقية واسعة النطاق هو روسيا فقط، وقد قرر البنتاجون الأميركي عرض هذا التقرير على اجتماع قيادة حلف الناتو في أبريل المقبل.
لقد اتخذت الولايات المتحدة عدة خطوات دفعة واحدة بإمكانها أن تفسد الجو السائد في العلاقات بينها وبين روسيا وسائر بلدان العالم وأن تؤدي إلى قفزة كبيرة على صعيد سباق التسلح النووي.الخطوة الأولى: كانت توقيع الرئيس بوش على قانون حول تخصيص الاعتمادات لتطوير أنواع جديدة من السلاح النووي. والحديث يدور.
خاصة، عن القنابل النووية الصغيرة المنخفضة القدرة والعالية الدقة والقادرة على إثارة ذبذبات زلزالية مما يسفر عن التدمير الكامل للمنشآت العسكرية الفائقة التحصين مثل مراكز القيادة ومنصات الصواريخ تحت الأرض والترسانات النووية والصاروخية.
الخطوة الثانية: قيام البيت الأبيض بتخصيص 9 .24 مليار دولار للبنتاجون ووزارة الطاقة الأميركية من أجل تحديث ميدان التجارب في ولاية نيفادا والتي يجب إعدادها لإجراء التجارب النووية تحت الأرض.
الخطوة الثالثة: نظام الدفاع المضاد للصواريخ الذي تنوي واشنطن نشر قطع منه في بولندا وتشيكيا بالقرب من الحدود الروسية، وجاءت سلسلة الخطوات هذه لتثير قلقاً شديداً لدى الخبراء العسكريين الروس.
فقد أعلن النائب الأول لرئيس أكاديمية العلوم العسكرية الجنرال كوربوشين إن كل هذا خطير جداً بالنسبة لبلدنا.
وأشار إلى أن الأسطول البحري الأميركي سيتمكن عما قريب من الاقتراب من السواحل الروسية وإسقاط الصواريخ الاستراتيجية المنطلقة من على متن غواصاتنا في مرحلة تسارعها مما يعني جعلها سلاحاً لا فائدة فيه على الإطلاق لكونه يعجز عن أداء مهمته الأساسية وهي درء العدوان المحتمل.
وقال الجنرال نيكولايف رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي ان هذه الخطوة من جانب واشنطن تعني، عملياً، أن الولايات المتحدة تفتح أبواب مرحلة جديدة لسباق التسلح النووي ربما تكون أبواب الجحيم المقبل.
لقد كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تستند دائماً إلى مجموعة من المعاهدات الملزمة لكلا الجانبين لا تتيح لأي منهما الحصول على أفضليات استراتيجية تتيح له توجيه الضربة الأولى.
وكان انسحاب واشنطن من جانب واحد من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ لعام 1972 قد أنزل ضربة خطيرة بميزان الأمن المذكور بالرغم من كل الوعود والتأكيدات الأميركية، ومن المعروف أن العسكريين ينطلقون دائماً ليس من تقييم المواقف السياسية للأطراف والتي قد تتغير مع تغير الأوضاع وإنما من تقييم الإمكانيات الواقعية.
والواقع اليوم هو كالآتي: لو تمكن الأميركان من صنع رؤوس حربية ذات قدرة لا تزيد على 5 كيلو طن ولكنها تتميز بدقة فائقة وقدرة عالية على الاختراق إلى المنشآت البالغة التحصين (وفي ذلك بالذات يتمثل هدف البحوث التي وافق عليها البيت الأبيض) لباتت كل الاتفاقات بين موسكو وواشنطن لا معنى لها، حيث ان هذه الرؤوس لا ينطبق عليها صفة laquo;الاستراتيجيةraquo; وهي بالتالي تخرج من إطار معاهدة تقليص القدرات الهجومية الاستراتيجية.
وثانياً، ستتمكن الولايات المتحدة من نشر تلك الرؤوس الحربية على متن غواصاتها الحاملة للصواريخ الاستراتيجية والاقتراب من سواحل روسيا في البحرين النرويجي والشمالي وتقديم انذار إلى الكرملين على غرار ما قدمته إلى صدام حسين تقريباً.
كما إن وقت تحليق تلك الصواريخ إلى الهدف والذي لا يزيد على 7 أو 8 دقائق لا يكفي من الناحية الفنية البحتة لموسكو لاتخاذ القرار بإنزال ضربة جوابية ناهيك عن توصيل هذا القرار إلى منصات الإطلاق الروسية.
أما الرؤوس الحربية الفائقة الدقة فسوف تكون قادرة على اختراق الأرض بعمق كبير بما فيه الكفاية لكي تثير ذبذبات زلزالية وتهدم في لمح البصر مراكز القيادة والصواريخ المرابطة تحت الأرض، وليس من المستبعد ان يولد هذا الشعور بالحصانة لدى بعض المتشددين في واشنطن ويزيد إحساسهم بأنهم أسياد العالم الذين لا يمكن قهرهم. وهو الأمر الذي يعرض السلام والأمن الدوليين لخطر بالغ يصعب على المرء أن يتنبأ بنتائجه.
بالطبع لن يصمت الروس على هذا التطور الجنوني وما يمكن أن يسفر عنه، وسوف يردوا على الخطوات الأميركية باستئناف التجارب النووية الروسية، وسوف تعلو الصيحات في روسيا بتطوير وإعداد السلاح النووي للمواجهة المقبلة.
وهذا ما حدث في الأيام الماضية، فكما أنه في واشنطن يوجد صقور متشددة فإنه في موسكو أيضاً يوجد صقور متشددة في القيادة العسكرية الروسية يقومون أيضاً بالضغط القوي المتواصل على الكرملين والحكومة من أجل الحصول على اعتمادات مالية لتطوير السلاح النووي وبناء غواصات نووية جديدة وإطلاق أقمار صناعية إضافية للاستطلاع والملاحة والدلالة على الهدف، أي من أجل مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي.
علماً بأن أمن روسيا كان ومازال دائماً يتصدر سلم الأولويات في الكرملين، ولهذا فإنه من المتوقع أن يشهد العالم قريباً صراع نووي بين صقور الشرق والغرب بدأت بوادره تظهر من الآن على الساحة وبشكل واضح ومتسارع، ولا يبدو أنها ستهدأ قريباً.
- آخر تحديث :
التعليقات