إيان بريمر - لوس أنجلوس تايمز
لا يزال المراقبون يتابعون ما ترتب على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يفضل نائبه السابق دميتري ميدفديف خليفةً له في رئاسة البلاد. وقيام ميدفديف برد الجميل طالبا من بوتين تولي منصب رئيس الوزراء. الأسواق عادة ما تحب التوقعات لهذا أفلحت هذه التوليفة في التأثير إيجابا في أنشطة الأعمال.
ولكننا متأكدون من وقوع تنافس بين الطرفين (وربما صراع) بمجرد أن ينتهي شهر العسل بينهما. الأسواق الروسية حاليا تمر بحالة من الارتياح. فقد انقشعت حالة الضبابية حول المستقبل السياسي للبلاد. فالمجتمع الاستثماري للبلاد يعلم ويحب ميدفديف وسيكون بوتين قريبا من مسرح الأحداث ليتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام. فكل شيء يبدو في موضعه.
ولكن ما هو نوع الشراكة الذي نتوقع حدوثه بين الاثنين؟ إننا نتوقع توليفة يملك فيها بوتين اليد العليا. فميدفديف الذي يبلغ من العمر 42 عاما هو تكنوقراطي من الطراز الأول ويفتقر إلى أي خبرة عسكرية أو أمنية، وعلى الرغم من أنه رئيس شركة غاز بروم، المحتكرة لصناعة الغاز الطبيعي الروسية، إلا أنه ليس من كبار أصحاب القرار في الشركة.
قليلون لديهم اعتراض على موهبته وذكائه المهني، غير أن أحدا لا يعتقد أن لديه قوة الشخصية التي يتمتع بها بوتين. إذن كيف سيملأ ميدفديف الفراغ الذي سيتركه بوتين؟ لن يستطيع. ليست هناك حاجة إلى ذلك لأن بوتين سيكون موجودا لسنوات مقبلة. لقد عين بوتين رجلا لن يستطيع حكم البلاد من دونه وذلك لأنه لا يريد التخلي عن إدارة البلاد سياسيا.
إن بوتين سيقبل رئاسة الوزراء لأن هذا المنصب سيمنحه نقطة تميز ستمكنه من ممارسة نفوذه. ميدفديف ستكون له السلطات الرسمية الممنوحة للرئيس. أما بوتين فسيعتمد على شهرته وقوة شخصيته وقدرته في المحافظة على توازن بين أحزاب الكرملين المتنافسة.
الشعب الروسي يبدو سعيدا بهذا الترتيب. فقد أوضح استطلاع للرأي جرى أخيرا أنه في حال عدم قيام بوتين بتسمية مرشح آخر، فإن 63% من الشعب سيصوت لمصلحة ميدفديف في الثاني من مارس وذلك على الرغم من أنهم لا يعلمون إلا القليل عنه.
وفاز حزب بوتين laquo;روسيا المتحدةraquo; ب64 % من الأصوات في الانتخابات التمهيدية في أوائل ديسمبر الماضي، مما منح الحزب أغلبية دستورية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لهذه الشراكة بين ميدفديف وبوتين أن تدوم للأبد؟ نظريا يمكن للاثنين تجنب الصراع فيما بينهما وذلك بالتركيز على حقيبتين سياسيتين مختلفتين.
فالأول يمكنه العمل على تعزيز النمو واجتذاب الاستثمارات الخارجية إلى قطاعات ليست بها حساسية سياسية في الاقتصاد الروسي إلى جانب مد مظلة الإصلاحات في قطاعي الرعاية الصحية والإسكان، وهي الإصلاحات التي بدأها عندما كان نائب أول رئيس الوزراء.
في حين سيواصل بوتين إدارة السياسة الخارجية الجديدة لروسيا التي تقوم على تكريس وجودها كقوة لها نفوذها على الصعيد العالمي إلى جانب تسوية أي نزاعات بين الأحزاب السياسية ورجال الأعمال في البلاد. لكن بمرور الوقت فإن الرئيس الروسي الجديد قد يبدأ في التأكيد على قوة نفوذه. فماذا سيحدث في حال ظهور خلاف بين الاثنين؟ وإلى أي طرف سيميل أعضاء الكرملين في هذه الحالة؟
لن يكون من السهل على بوتين إدارة شؤون البلاد في ظل وجود شخص له قوة دستورية كبيرة. ولن يكون من السهل أيضا على رئيس البلاد أن يحتوي الصراعات بين أكبر الأحزاب الروسية في الكرملين من دون مساعدة بوتين أو أن يسيطر على رئيس سابق وصلت شعبيته إلى 80 % بين أفراد الشعب.
ثم هناك نقطة الرئاسة بعد المقبلة. فالدستور الروسي يمنع أي رئيس من الاحتفاظ بمنصبه أكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين. ولكن لا توجد أي فقرة في الدستور تمنع ترشح بوتين للرئاسة بعد أربع سنوات من الآن. وفي الوقت نفسه، فإن بوتين وميدفديف سيكون عليهما مناقشة كيفية اقتسام السياسة بينهما. ففي الوقت الذي ستلوح فيه الانتخابات الجديدة في الأفق، فإن سياسات الاثنين قد تتضارب.
ليس في مصلحة أي دولة على المدى الطويل أن يكون لديها شخص يمسك بقوة وفعالية بزمام الأمور كما يمسك بها بوتين الآن في روسيا. والأخطر من هذا أن يتعين على هذا الشخص إدارة سياسة البلاد في ظل وجود شخص آخر في بيت الرئاسة.
هناك صداقة وشراكة بين ميدفديف وبوتين امتدت عبر نحو عقدين. خلال العامين الأولين من العهد الجديد، سيعمل الاثنان على بذل كل ما لديهما من جهد لمواصلة إنجاح هذه الشراكة. لكن مع مرور الوقت وفي ظل حقيقة أنه مضى زمن طويل على روسيا وبوتين هو الطرف الأقوى في البلاد، فإن هذا الزواج السياسي قد يتحطم لاسيما في حال أن يضطر الطرفان إلى تبادل اللوم بالقدر نفسه الذي يتبادلان فيه السلطات.
- آخر تحديث :
التعليقات