ويليام فاف - تريبيون ميديا سيرفيس
التآكل في الشعبية، الذي يعاني منه الرئيس الفرنسي quot;نيكولا ساركوزيquot; في الوقت الراهن، كما تشير استطلاعات الرأي ومقالات الصحف، أمر يمكن تداركه، خصوصاً إذا ما كان سببه مجرد تقلب الرأي العام الفرنسي المعهود -أو هكذا يأمل الرئيس. بيد أن الشيء المؤكد هو أن هذا التدنِّي في الشعبية والقبول يمس عوامل معينة في نظرة الرأي العام في فرنسا للصورة التي يجب أن تكون عليها بلاده.
ظاهرياً، تبدو المشكلة، وكأنها قد نشأت نتيجة لإخفاق نشاط ساركوزي الفائق، في إنتاج الكثير من الإنجازات الفورية الملموسة حتى الآن، على رغم مرور سبعة شهور على الأقل من سنته الأولى في الحكم.
ولكن هذا التقدير ليس عادلاً تماماً، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن ساركوزي قد نجح في نزع فتيل العديد من الصراعات العمالية والاجتماعية، التي أعاقت عمليات الإصلاح في ولاية الرئيس السابق quot;جاك شيراكquot; الأخيرة في الحكم.
لقد عمل ساركوزي على تجنب تلك المواجهات العنيفة والعقيمة التي كانت الحكومات اليمينية واتحادات العمال اليسارية تنجذب إليها عادة، واستبدل بها سياسة تقوم على التدخل الاستباقي المبكر لمواجهة الأزمات قبل استفحالها، وعلى استخدام أسلوب المفاوضات المشروطة، وتقديم مقترحات جذابة، واتباع المناورات البارعة للتفريق بين التروتسكيين المتعصِّبين الذين يمارسون نفوذاً على نقابات العمال، وبين زعماء تلك النقابات الراغبين حقاً في التوصل إلى اتفاقيات جادة، مع عدم التردد في ذات الوقت في إبرام اتفاقيات وتسويات حصيفة لتحقيق نتائج ملموسة.
ومن جهة ثانية، كان ساركوزي كثيراً ما يطلق تصريحات ووعوداً بإجراء عمليات إصلاح شاملة، ثم يترك لمجلس وزرائه مهمة فهم قصده من تلك التصريحات، أو اكتشاف أنها مجرد تصريحات لفظية غير ذات شأن. وقد خلف ذلك عدداً من المشكلات العويصة للحكومة التي وجدت نفسها في كثير من الأحيان غير قادرة على تحديد الشيء الذي يجب أن تبدأ به. والحقيقة أن تلك التصريحات والوعود الجوفاء أحياناً هي أقرب في طبيعتها إلى خطابات الحملات الانتخابية منها إلى أسلوب ممارسة الحكم الحصيف. هذا علاوة على تناقض آخر يبدو جذرياً بين ثبات ورزانة رئيس الوزراء الفرنسي quot;فرانسوا فييونquot; وبين خفة ساركوزي الفائق النشاط.
ونأتي بعد ذلك إلى اللغط الذي أثاره طلاق ساركوزي من زوجته السابقة سيسيليا وزواجه من صديقته السابقة أيضاً quot;كارلاquot;، وهو ما نال من سمعته كذلك. هذا مع أن حالته العائلية كانت تمر في أزمة، عندما تم انتخابه، وهذا أمر لا يلام عليه، كما لا يمكن لأحد أن يلومه على حياته الخاصة كتطليق زوجته السابقة، وزواجه من أخرى، لو قيست الأمور بمنطق سليم. ولكن المشكلة تكمن في أن الحدثين لم يشغلا الصحافة الفرنسية فقط، وإنما الصحافة العالمية أيضاً، وهو ما لم يستسغه الرأي العام الفرنسي.
ويرجع ذلك إلى أن فرنسا لا تزال إلى حد كبير دولة تتمسك بالرسميات التي تحتل فيها لغة الحديث الرسمية الوقورة أهمية كبرى في المعاملات والمجاملات، وحتى في اليومي والعادي منها: كالسؤال عن صحة المخاطَب عقب كل صباح، والرجال يخاطبون النساء من أي طبقة كانت بكلمة quot;مدامquot;، كما أن الرجال يخاطبون الرجال مهما كان الفارق في المستوى بلقب quot;ميسيوquot; التي تعني quot;السيدquot;.
إلى جانب ذلك يحرص الناس في فرنسا على تبادل البطاقات البريدية الفاخرة في المناسبات المختلفة، كما يحرصون على إنهاء الخطابات التي يوجهونها لمحصلي ضرائبهم أو زبائنهم التجاريين مثلاً، بعبارات الاحترام والمجاملة.
وقد حاول الكاتب المكسيكي quot;كارلوس فوينتيسquot; أن يعيد إلى الذاكرة تلك المواجهة التلفزيونية التي حدثت عام 1988 بين الرئيس quot;فرانسوا ميترانquot; ورئيس وزرائه في ذلك الحين quot;جاك شيراكquot;، وذلك عندما كان الثاني يعارض ترشح ميتران لدورة رئاسية ثانية. في تلك المواجهة قال شيراك: quot;في هذه المناظرة التي تجرى الليلة أنا لست رئيساً للوزراء، وأنت لست رئيساً للجمهورية الفرنسية، وإنما نحن مرشحان اثنان لمنصب سياسي واحدquot; فرد عليه ميتران بقوله: quot;أنت على حق تماماً يا ميسيو (السيد) رئيس الوزراءquot;!
لقد رفض ساركوزي أن يناديه البعض بلقب quot;سيادة رئيس الجمهوريةquot; ويريد أن يكون مجرد شخص عادي يقوم بوظيفة، وأن يتصرف مع مواطنيه وناخبيه بطريقة عادية كأن يربت على أكتافهم مثلاً، وأن يكون مجرد رئيس حصل على منصبه بجدارة واستحقاق، أو واحدا من ضمن المشاهير الذين يظهرون على أغلفة المجلات بصحبة زوجاتهم الفاتنات.
ولكن هذه الصورة التي يريدها ساركوزي لنفسه لم تنسجم مع ذوق الجمهور الفرنسي الذي أحس بأن بلاده قد quot;أهينتquot; بسبب تصرفات رئيسها. وفي نظري أن ذلك لا يمثل في حد ذاته شيئاً جدياً وخصوصاً أن القرارات التي كانت تتخذها فرنسا بشأن مسائل السياسة الخارجية مثل أفغانستان، وإيران، والعلاقات مع أميركا، وquot;الناتوquot;، وإسرائيل، والفلسطينيين، وبشأن مسائل من قبيل من يجب أن يكون رئيساً للاتحاد الأوروبي، كانت تتخذ بدون إشعار مسبق، ودون مناظرات عامة، وكأنها صادرة عن هوى شخصي. إن السياسة الخارجية للرؤساء الفرنسيين كانت دائماً عرضة للهوى والمزاج الشخصي، سواء كان ذلك في عهد ديجول أو ميتران أو شيراك... وكل الفارق بين هؤلاء الرؤساء وبين ساركوزي هو أن الهوى الشخصي والمزاج العام لديهم كان أكثر وضوحاً.
والموقف المُحرج الحالي موقف بدا ساركوزي وكأنه يتوقعه أو يخشاه عندما كان يقول: quot;إن غزو السلطة أو الحصول عليها شيء، واستخدامها بفعالية شيء آخرquot;. ففي أيامه الأولى في الحكم قال للكاتبة المسرحية quot;ياسمينة رضاquot;: quot;عندما كنتُ صغيراً كنتُ أعتقد أن كل شيء ممكن... انظري الآن! إن لدي كل ما يجعلني سعيداً. لقد حلمت بأن أكون في المكان الذي أجد نفسي فيه الآن. ولكنني لا أشعر بالإثارة بعد أن تحقق هذا الحلم. إنه أمر يصعب عليَّ شرحه. كل ما أود قوله هو أنني قد أصبحت في منصب الرئيس الآن، أي أنني لم أعد كما كنت في السابقquot;. نعم إنه في الحاضر وليس في الماضي، وربما تكون هذه هي المشكلة التي لا يجد لها إجابة.
التعليقات