في حال رفض المعارضة الباكستانية التحالف مع laquo;الديكتاتورraquo;

سليم نصار

بعد الخسارة التي مُني بها الرئيس الباكستاني برويز مشرف في الانتخابات التشريعية، قررت الإدارة الأميركية رسم استراتيجية التعاون مع اسلام آباد بطريقة تنسجم مع توجهات أحزاب المعارضة.

والثابت ان عملية اغتيال بنازير بوتو كانت بمثابة الحافز العاطفي الذي شجع المواطنين على انتخاب ممثلي laquo;حزب الشعبraquo;، إضافة الى مرشحي laquo;الرابطة الاسلاميةraquo; جناح نواز شريف. وقد اجتمع زعيما هذين الحزبين بهدف تشكيل ائتلاف حكومي يكون قادراً على إبعاد برويز مشرف عن رئاسة الجمهورية. علماً بأن الرئيس أعرب عن رغبته في المشاركة بوزراء من حزبه، شرط الاتفاق على استئناف سياسة مكافحة الارهاب. اي السياسة التي انتهجها عقب هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 وأدت الى تقوية تحالفه مع الولايات المتحدة.

حدث أثناء وقوع الهجمات ان التقى جورج تينيت، مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، نظيره الباكستاني الجنرال محمود أحمد. وبسبب العلاقة الوثيقة التي تجمع الجنرال الباكستاني برئيس أفغانستان السابق الملا عمر، حاول تينيت اقناعه بأهمية تدخله من أجل تسليم اسامة بن لادن.

ورفض الجنرال أحمد القيام بهذه المهمة، مدعياً ان علاقته ستبقى جيدة مع الملا عمر بسبب نفوذه القوي داخل المناطق القبلية الباكستانية. وكان بهذا الجواب يؤكد تعاون جهاز الأمن الخارجي مع قادة افغانستان بهدف ضبط الحدود الواسعة. وبما ان الجنرال أحمد كان يمثل دور الداعم الأول لانقلاب برويز مشرف على رئيس الوزراء السابق نواز شريف، فقد تجاهل تينيت الموضوع حرصاً على موقع الرئيس داخل المؤسسة العسكرية.

منذ انقلاب 1999 حاول الرئيس مشرف انتهاج سياسة اللعب على حبلين، بدليل انه حارب laquo;القاعدةraquo; إرضاء للولايات المتحدة، وتحالف مع الأحزاب الاسلامية سعياً لإرضاء المتطرفين. ويبدو ان هذه السياسة قد اعطت ثمارها على مستوى الأمن وتعاون الاستخبارات الأميركية - الباكستانية. ومن حصيلتها: اعتقال واغتيال أبو زبيدة ورمزي بن الشيبة (2002) وخالد الشيخ محمد (2003) ومحمد نعيم نورخان (2004) وأبو فرج الليبي (2005)، وكافأت إدارة جورج بوش الرئيس مشرف بأن وطدت علاقاته بالهند، ومنحته عشرة بلايين دولار أعانته على خفض الدين، وعلى تحريك عجلة النمو الاقتصادي الذي تجاوز الخمسة في المئة خلال السنوات الأربع الماضية.

يقول المراقبون ان سياسة اللعب على حبلين أفادت laquo;القاعدةraquo; التي وجدت في محافظة بلوشستان ملاذاً آمناً ضم قياديي laquo;طالبانraquo; الأفغان ايضاً. ووجد المتطرفون من عرب وباكستانيين في بلوغ هذا المعقل حصناً جرى تدريبهم فيه على القتال. واستغل أنصار laquo;طالبانraquo; من الباكستانيين هذه السياسة المزدوجة فأنشأوا laquo;قاعدةraquo; جديدة للجهاد العالمي كان من نتائجها اعلان laquo;المسجد الأحمرraquo; أرضاً محرمة على رجال الدولة.

عقب اقتحام laquo;المسجد الأحمرraquo; واعتقال الشيخ عبدالرشيد غازي، ألقى الرئيس مشرف خطاباً توعد فيه بالقضاء على المدارس الدينية التي تنفث سموم الاحقاد والبغضاء. ولكن هذا الخطاب لم يمنع الصحف من التساؤل عن الدور الحقيقي للأجهزة الأمنية المسؤولة عن تمرير الاسلحة التي صادرها الجيش. ولما بلغت سيطرة المتشددين هذا المستوى من الهيمنة، شعر الرئيس مشرف بأن الوقت قد حان لتوسيع سيطرته السياسية على مقاليد الحكم.

خلال هذه المرحلة الصعبة، لم يعلن مشرف حال الطوارئ فحسب، بل فرض القوانين العرفية والعسكرية وعلق العمل بالدستور. وفي مرحلة لاحقة أطاح السلطة القضائية وفرض الرقابة على الصحف وأغلق المواقع الالكترونية الاعلامية. ورد القضاة على اجراءات مشرف عقب إقالة رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري، برفض 14 قاضيا من قضاة المحكمة العليا (البالغ عددهم 17) أداء قسم الولاء للجيش. والمعروف أن النظام القضائي الملحق بالجيش، درج على إقرار شرعية الانقلابات العسكرية وأحكامها. وعلى خلاف السوابق، أعلن القضاة أن تدابير مشرّف تفتقر إلى الشرعية. وتضامن مع هؤلاء 69 قاضياً من قضاة محاكم المحافظات الأربع.

والطريف بالأمر أن الجيش تجنب عمليات لجم أي من الملالي المتطرفين الذين يلقنون طلاب المدارس الدينية دروساً في laquo;مادة الانتحارraquo;. وغداة إعلان حال الطوارئ، أفرج الجيش عن 28 مقاتلاً من laquo;طالبانraquo; المتورطين في هجمات انتحارية مقابل اطلاق سراح 211 جندياً وقعوا في الأسر في منطقة laquo;وزيرستانraquo;. كذلك وافق الجيش النظامي على تسهيل مرور المؤن والعتاد الحربي إلى laquo;طالبانraquo; أفغانستان.

في منتصف السنة الماضية، تحولت باكستان إلى مصدر قلق لكل الدول التي ساندت نظام مشرّف. ذلك أنها منحت laquo;الإرهابيينraquo; ملاذاً آمناً فوق أرضها، وسمحت بتجارة المخدرات، وباعت التكنولوجيا النووية إلى دول مارقة، ووفرت الفرصة لسيطرة متطرفين على الحياة السياسية.

خلال تلك الفترة، سيطرت حركة laquo;طالبانraquo; على قسم كبير من محافظة laquo;فرحraquo; الواقعة على الحدود مع إيران، كما نجحت في السيطرة على مدينة laquo;قندهارraquo; ثاني كبرى المدن الأفغانية، ثم مدت نفوذها إلى المناطق الشمالية الغربية القريبة من باكستان، حيث يشعر مقاتلو laquo;القاعدةraquo; بالأمن والأمان. لذلك أقاموا معسكرات تدريب خاصة بالمسلمين الأوروبيين القادمين من بريطانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك واسكندنافيا.

عند بلوغ هذه المرحلة، شعرت قيادة الجيش بأنه من المتعذر عليها الانقضاض على المجتمع المدني مثلما فعل العسكر في بورما وبعض الدول العربية. وسارعت واشنطن إلى التبرؤ من نظام حليفها وقالت بلسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي غوردن جوندرو، إنه من الضروري أن يخلع مشرّف زيه العسكري استعداداً لإجراء انتخابات عامة يشترك فيها زعماء المعارضة.

واستجابة لهذا النداء، أدرك مشرّف أنه يحتاج الى تفويض سياسي جديد من الأحزاب المعارضة مثل laquo;حزب الشعبraquo; العلماني بقيادة بينظير بوتو. ورأى ان إبرام صفقة مع بوتو يفترض اجراء انتخابات حرة من شأنها أن تطوي مرحلة احتكاره السلطة. وشمل قرار عودة بوتو رجوع نواز شريف (الرابطة الإسلامية) من المنفى بعد مدة تزيد على السبع سنوات. ومن المؤكد أن عملية اغتيال بوتو وما رافقها من اهمال واضح لقوى الأمن، قد ألبت الجموع ضد الرئيس مشرّف. وهكذا أظهرت نتائج الاستفتاء يوم الاثنين الماضي أنه من الصعب على رئيس لم ينتخب في اقتراع عام، الاستمرار في حكم بلاد استولت فيها المعارضة على ثلثي مقاعد المجلس النيابي. ومثل هذا الانقلاب الشعبي جدد الحديث عن احتمال انحسار دور الجيش، علماً بأن باكستان عاشت ثلاثين سنة تحت سيطرة الجنرالات... وثلاثين سنة في ظل حكومات مدنية متأثرة بسلطة العسكريين.

الإدارة الأميركية تشعر بالحرج لأنها قد تخسر حليفها الذي دفع ثمن محاربته لـ laquo;القاعدةraquo; وأنصارها في باكستان وأفغانستان. ومع أنها تتوقع من صديقها الآخر رئيس الأركان الجنرال اشرف كياني التدخل لإنقاذ الوضع المقلق، إلا ان الضباط قد لا يتجاوبون مع مطالبه، صحيح ان الجيش الباكستاني يتحلى بالانضباطية منذ عهد الاستعمار، إلا ان معنوياته لم تعد تسمح باستئناف الحرب على المتطرفين والارهابيين. ذلك أنه مني بخسائر فادحة في العتاد والأرواح، الأمر الذي أدى الى عزلته عن الشعب خلال السنوات الأربع الأخيرة.

الرئيس مشرف يأمل بتجنب أي نزاع مع الحكومة الجديدة، لكنه قد يضطر الى مواجهتها بالوسائل الدستورية إذا ما فتحت النار عليه وأصرت على إسقاطه. ذلك انه يتمتع بسلطات واسعة تتيح له عرقلة عمل الحكومة، بينها صلاحية حل البرلمان وإقالة الحكومة بغض النظر عن الأسباب الموجبة. وكان الدستور اللبناني، قبل اتفاق الطائف، قد سلح رئيس الجمهورية بمثل هذه الوسائل، الأمر الذي أعطاه لقب laquo;الديكتاتور المنتخبraquo;.

وعليه يرى المحللون ان أهمية هذه الصلاحيات تكمن في وقوف الجيش القوي الذي يشرف على إدارة البلاد، الى جانب مشرف. وهذا ما ستظهره التطورات السياسية خلال الأيام المقبلة.