يسرائيل هارئيل - هآرتس

أثار إعلان استقلال كوسوفو مخاوف وسط بعض الدوائر الإسرائيلية من أن لا يكون اليوم الذي يطالب فيه عرب الجليل بالإستقلال السياسي بعيدا. الكثير من هؤلاء أخذ ينفصل في الأعوام الأخيرة، عمليا وذهنيا، عن الإنتماء إلى دولة إسرائيل اليهودية الديموقراطية. المسلمون في كوسوفو أغلبية سكانية ساحقة، وكذلك العرب في الجليل. عدد غير قليل من اليهود، خصوصا منذ تشرين الأول 2000، بدأوا يغادرون الجليل، فيما آخرون، رغم المحفزات المتعددة، لا يرغبون في الإنضمام إلى الشريحة السكانية اليهودية الضئيلة هناك، خاصة في المناطق التي يشكل اليهود فيها أقلية.
أحداث كوسوفو تعيد إلى مركز الوعي مشاهد الآلاف الذين كانوا متورطين في أعمال التكسير في وادي عارة عام 2000، وفي قطع الطرقات الرئيسية وتلك المؤدية إلى البلدات اليهودية في الجليل، وفي أعمال الشغب التي تزامنت مع حرب ياسر عرفات الإرهابية. لا تزال الذاكرة تستحضر استخدام السلاح في بعض الحالات، وكذلك الخلايا السرية ـ وبعضها خلايا إرهابية ـ التي نشطت بموازاة إرهاب الإنتحاريين من الضفة الغربية وقطاع غزة.
التظاهرات التي يُرفع فيها علم فلسطين، كما في يوم إحياء ذكرى موت عرفات، تحولت إلى عمل اعتيادي في الجامعات الإسرائيلية، خصوصا في جامعة حيفا. في الجليل وحيفا وُلدت الوثائق التي صاغها مثقفون وشخصيات سياسية عربية والتي تعرف بأوراق quot;الرؤيةquot;. المبدأ الأساسي في هذه الرؤية هو: رفض إسرائيل كدولة يهودية وكبيت قومي للشعب اليهودي.
قبل مؤتمر أنابوليس اجتمع في الناصرة ممثلون لكل الجهات التي تجمع عرب إسرائيل، وتبنوا بالإجماع قرارا بالتوجه إلى محمود عباس والطلب إليه عدم الإستجابة إلى مطلب إيهود أولمرت بالإعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. كما تم إرسال وفد من أعضاء الكنيست العرب إلى مديري المفاوضات في الجانب الفلسطيني من أجل التأكد من تلقي واستيعاب طلبهم. قال أحمد الطيبي لأبو علاء: إذا كان العرب من مواطني دولة إسرائيل يعارضون بشدة الإعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، فكيف يمكنكم وأنتم تمثلون الشعب الفلسطيني، أن تفكروا في هكذا اعتراف؟
إن تسليم الحكومات الإسرائيلية بالسلوك الإنفصالي الواضح والفاقع لعرب الجليل يشجع هذه النزعة. شمعون بيريز، الذي كان في عدد من الحكومات مسؤولا عن النشاطات التي من شأنها أن تؤدي عمليا إلى تعزيز الوجود اليهودي في الجليل، أكثر من الأقوال ولم يقم بأي عمل تقريبا. بالنسبة له كانت البروتوكولية السياسية، كإلغاء مصطلح quot;تهويد الجليلquot;، أمرا موجِها.
كل السلطات، حتى تلك المسؤولة عن تطبيق القانون، تسلم بالنشاطات الجنائية (لعرب الجليل)، كالسيطرة على أراضي الدولة والبناء غير القانوني بأعداد وصلت إلى عشرات الآلاف.
كوسوفو أصبحت هنا، حتى من دون إعلان الإستقلال الرسمي. عندما ندرس سلوك الحكومة أزاء الأطراف، حتى في سياق الرد على صواريخ القسام في الجنوب، ندرك أنه لا ينبغي لنا توقع أن تستيقظ وتحارب أولئك المنتفضين على السيادة الإسرائيلية في الجليل.
إن من يقود النهج الإنفصالي وسط عرب إسرائيل يدرك جيدا أن اللامبالاة وانعدام الثقة بالنفس يميّزان أيضا أجهزة الدولة ـ الشرطة، القضاء، دائرة أراضي إسرائيل، وزارة المالية (الضرائب)، ووزارة الداخلية ـ في تعاطيهم مع الجمهور العربي. هذا الأمر يعزز الحافزية لقضم المزيد والمزيد من السيادة والصلاحيات الإسرائيلية.
وخلافا للكوسوفيين في البلقان، الذين يكتفون بقطعة الأرض الإنفصالية ولا يدعون ملكية بقية أراضي صربيا، فإن الكثير من عرب الجليل، وخصوصا الجناح الشمالي من الحركة الإسلامية، ينادون بالملكية، السياسية والجغرافية، لكل أراضي الدولة.
أما في الجنوب، فالبدو ينجحون في وضع اليد، من دون أي إزعاج تقريبا، على أراض واسعة، فيما الحكومة عديمة الحركة ترد بإنشاء لجان quot;تنظيم أوضاع الأراضيquot;.
يمكن أن نفترض أن تتواصل هذه الحركة التي تقوم الدولة الصهيونية، فيها، بتمويل الشريحة السكانية الآخذة في إنشاء، من الناحية الفعلية، دولة فلسطينية داخل دولة إسرائيل السيدة. بالطبع، ستكون هذه دولة مغايرة للدولة الفلسطينية التي يطمح العرب إلى إقامتها في الضفة الغربية.