محمد شريف الجيوسي

عملية إعادة نشر الصور المسيئة للنبي العربي محمدquot;صquot;لم تكن فعلاً تضامنيا فحسب مع صاحب الرسوم أو الناشر الأول لها ، وليست مجرد محاولة ساذجة لتأكيد حرية الرأي أو حرية التعبير . فهي تأتي في وقت يبدو فيه العرب والمسلمون ، بل وكل ما عدا واشنطن ومعظم أوروبا وكندا واليابان واستراليا ، لا شيء ، بما في ذلك روسيا والصين وأمريكا اللاتينية والهند وجنوب أفريقيا الخ .

فمن حيث المبدأ : إن التحقير أو الشتم أو السخرية أو الإستهزاء بأي فرد عادي أو بمعتنقه بغض النظر عما يكون عليه المعتقد ، هو فعل غير حضاري متخلف ، لا يرتقي إلى الإنسانية في شيء ، ولا يمت إلى حرية الرأي او التعبير ، أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان . ذلك من حيث المبدأ فكيف يكون عليه الأمر عندما يمس هذا الفعل المتخلف نبي أمة ينتمي اليها أكثر من مليار من البشر يمتدون على 3 قارات عدا جالياتهم في العديد من البلدان الأخرى. وفضلاً عن أن العرب المسيحيين يكنون لهذا النبي احتراماً خاصاً مردّ أقلة أن القرآن الكريم حفظ لغتهم من الزوال ، وأن ابناء عمومتهم هم الرواد الأوائل لهذا الدين .. وأن الأرض العربية هي الحاضنة لأقدس مقدساتهم . الخ . وأذكر أنني حررت وصية هوشي منه القائد الفذ الفيتنامي الشيوعي :quot;عدما كنت محرراً في جريدة البعث السوريةquot;عندما توفي أواخر الستينات في أوج مواجهة الغزو الأمريكي ، والتي أوصى فيها رفاقه في الحزب الشيوعي وحلفاءه في الجبهة الوطنية التي كانت تضم 23 فصيلاً .. بـ quot;أن احترموا معتنقات ومعتقدات الآخرين وتعاملوا معها واعملوا على تفهمهاquot; .. لم يكن لفيتنام أن تحقق انتصارها على الدولة العظمى بعد ذلك بسنوات قليلة دون هذه الروحية الراقية في احترام معتنقات ومعتقدات الآخرين .. ولا أخال أوروبا أو أمريكا أو أية قوة أخرى قادرة على تحقيق أهدافها طويلاً ، دون ذلك في الداخل والخارجquot;على الأقل في زماننا والأزمان التاليةquot;.

حدث هذا رغم أن الغرب يضيق ذرعاً بالآخر ، فـ هاليري كلينتون لم تجد في الأمس القريب من وسيلة لسحق نظيرها الديمقراطي سوى أن تسخر من جذوره الإسلامية الشرقية .. لا بد أن الغرب إذ يصر على التعاطي مع معتنقات الآخرين ومعتقداتهم على هذا النحو من الصلف والعنصرية وضيق الأفق ، وفي آن التذرع بأن هذه هي الديمقراطية وحرية التعبير والرأي ، فهو يعمل عكس حركة التاريخ ، من حيث أن الشتيمة لا تبن حضارات قادرة على الاستمرار ومن حيث أن نظامهم السياسي الاجتماعي الأخلاقي الذي طالما الحّوا على الشعوب الأخرى على إتباعه ، لن يكون محل استقبال جيد على اعتبار أن نماذجه الغربية التطبيقية تبعث على التقيؤ . إنهم يعمقون الشروخ بينهم وبين الآخر : مطلب آخر ، ويخطفون العالم باتجاه المجهول نحو عالم أقل أمناً واستقراراُ وأكثر كراهية وحروباً وتلويثا للنفوس والبيئة والعقول. ليس أمام العرب والمسلمين وكل الذين يحملون فكراً متنوراً حقيقيا غير مطلي بالزيف والعنصرية ونزعات الحروب ، إلا أن يقاطعوا كل منتج غربي شارك أصحابه في الإساءة أو طالبوا تعميمه أو برروه أو صمتوا عنه أو لم يدينوه .. أو ضغطوا لأجل الصمت عليه .فعندما تمس مصالح الغرب ، عندما لا تقدم خدمة من أي نوع لكل مسيء .. سيجري تحول الغرب طوعاً وكرها ، نحو قناعات مختلفة ، بخاصة وان الغرب لم يقم بأي تحول تاريخي إلا بعد أن دفع الثمن من مصالحه.

إن الضغط الحضاري والممنهج وطويل الأمد : العربي والإسلامي والصديق : ، سيوفر الكثير من المعاناة والكوارث بما في ذلك على الغربيين ، دون ذلك فأي اعتذار أو تحول لن يكون حقيقيا ولا طويل الأمد ، ودون ذلك سيكون العالم مع استمرار نهج الإساءة ، مفتوحاً على الاحتمالات ولو بعد حين .