مايكل شيوير - لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست
في زمننا هذا الذي يشيع فيه استخدام بعض العبارات المتقعِّرة -والغبية في الحقيقة- كعبارة quot;تفكير متجاوز للأطر التقليديةquot; أو quot;لقد حانت لحظة التغييرquot;، نجد أن هناك عبارة معينة، يشيع استخدامها هي الأخرى، ولكن مضمونها يعتبر في رأيي خطيراً، بل سبباً في الهزائم التي تتعرض لها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. وأقصد هنا عبارة quot;قوات صغيرة وخفيفة وسريعة الحركةquot; التي تشير إلى نمط القوات التي يعتقد العسكريون أن أميركا تحتاجها في هذين البلدين. فمن وجهة نظر هؤلاء العسكريين، أن أميركا تخوض في العراق وأفغانستان حربين غير تقليديتين، ضد قوات غير نظامية، تحتاج فيهما ليس إلى قوات تقليدية ضخمة، وإنما إلى قوات خاصة تتكون من عدد قليل من الأفراد، وتتصف بخفة الحركة والقدرة على إنجاز مهامها بسرعة.
وليس العسكريون فقط هم الذين يرغبون في هذه النوعية من القوات، وإنما نجد أيضاً أن المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية عن الحزبين quot;الديمقراطيquot; وquot;الجمهوريquot; يريدونها بدرجات مختلفة. والنهج القائم على استخدام هذه النوعية من القوات لن ينجح، وهو ما أقوله استناداً إلى الدروس المستخلصة من الخبرات التي مررنا بها، والتي حاول خلالها قادتنا العسكريون كسب الحرب من خلال تنفيذ عمليات سرية بواسطة القوات الخاصة، بيد أن محاولاتهم باءت بالفشل. ولاشك أن أفغانستان هي أفضل مثال يعبر عن هذه الحقيقة: فالقوات الخاصة، والعمليات السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية أدت أداءً ممتازاً هناك، وتمكنت من كسب المعارك الأولى ضد قوات quot;طالبانquot; وquot;القاعدةquot; في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، ولكنها لم تكن تمتلك الأعداد ولا القوة النيرانية التي تكفي لسحق الراديكاليين الإسلامويين الذين نخسر المعارك أمامهم الآن.
هناك القليل من الأدلة التي تثبت أن الحروب يمكن كسبها من خلال العمليات السرية والقوات الخاصة، وليس هناك سوى الكاتب quot;ماكس بوتquot; وزملائه المحافظين ممن يكتبون في quot;الويكلي ستاندردquot; وquot;الناشيونال ريفيوquot; الذين يبشرون بهذا الهراء، ويعتبرونه quot;إنجيلاً مقدساًquot;.
أقول هذا من واقع معرفتي بحدود تلك الأنواع من العمليات والتي اكتسبتها من خلال إدارتي لعمليات سرية أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي.آي. إيهquot; ضد quot;القاعدةquot; والإسلامويين السُّنة على امتداد 15 عاماً، والتي أستطيع أن أقول من خلالها إن هذه النوعية من القوات يمكن أن تنجح في البداية، وتقتل بعض أفراد العدو، وتستولي على بعض الأرض، ولكنها لا تستطيع الاحتفاظ بتلك الأرض وتدمير معظم قوات العدو؛ لأن الذي يستطيع ذلك هو القوات التقليدية فقط.
ونظراً لعدم استعدادهم لاستخدام قوات عسكرية تقليدية كاملة ضد أعدائنا، فإن المسؤولين الأميركيين كانوا يأملون، أن تتمكن القوات الخفيفة، والتكتيكات المضادة للتمرد، والأسلحة الدقيقة، من هزيمة العدو دون أن تتكبد سوى خسائر قليلة، ودون أن تتسبب سوى في أضرار جانبية محدودة، أو لا تتسبب في مثل تلك الأضرار على الإطلاق، ودون أن ينال سمعتها سوء. وهذا كله هراء بالطبع. فالنصر لن يكون ممكناً إذا ما أصررنا على استخدام القوات الخاصة فقط، وأصر الرؤساء الأميركيون من الحزبين على الكذب بشأن فعالية تلك القوات، والعمليات التي تقوم بها.
إن الحرب الشاملة، التي نخوضها ضد عدو لا يرتدي الزي العسكري، ويعمل انطلاقاً من دوافع دينية، ويتم دعمه من خلال بعض المدنيين الذين يعيش بينهم، والذي لن يتورع عن استخدام سلاح نووي إذا ما حصل عليه ضدنا، لا يمكن تحقيق الانتصار فيها سوى عن طريق استخدام قوة عسكرية ضخمة، تتمتع بقدر كبير من الحرية في العمل داخل المناطق التي يوجد فيها هذا العدو.
أما إذا ما ظللنا نتجنب الموت والدمار الذي ينتج عن استخدام قوة أضخم وأقوى، والذي يعتبر نتيجة جانبية محتمة للحملات العسكرية الكبيرة القادرة على حسم الحروب، بحجة أن ذلك قد يغضب أوروبا، فإننا لن نتمكن من كسب أي حرب؛ لأن القوات الخاصة، قد تكون قادرة على تطهير الأرض من الأعداء، وقتل أو القبض على قادتهم، ولكنها لن تكون قادرة على التمسك بالأراضي والدفاع عنها؛ لأن من يقوم بذلك عادة هي القوات التقليدية.
إن الإصرار على استخدام القوات الخاصة والعمليات السرية لـquot;السي آي إيهquot; على رغم معرفتنا لهذه الحقيقة، سيؤدي إلى نتائج وخيمة منها إرهاق هذه القوات في عمليات لا طائل من ورائها، وتعرضها لخسائر جسيمة في الأرواح قد يصعب تعويضها، سوى بتكاليف باهظة، بل قد يؤدي إلى ما هو أكثر، حيث إن تلك العمليات الخاصة، المطلوبة للغاية في الحروب، ستبدو في نظر الأميركيين وفي نظر جزء كبير من العالم، وكأنها جزء من حرب غير شرعية quot;قذرةquot;.
ينبغي أن يعرف الأميركيون أن زعماء الحزبين الرئيسيين، يفضلون استخدام العمليات السرية والقوات الخاصة على استخدام القوات التقليدية، على رغم أن التجربة أثبتت أن هذه العمليات والقوات الخاصة غير قادرة على إنتاج كم الدمار والموت المطلوب من أجل تحقيق النصر. ومما يؤسف له أن الفعالية المستقبلية لتلك القوات تتآكل باستمرار، بسبب خطأ مزدوج هو الإفراط في استخدام هذه القوة من جانب، وحملات تصيُّد الأخطاء لها ولمسؤوليها من قبل أعضاء كثر في مجلسي النواب والشيوخ.
إن الأمر المؤكد هو أن هناك كوارث مماثلة لكارثة الحادي 11 سبتمبر تنتظرنا على الطريق. وعندما تحدث هذه الكوارث، فإن الأميركيين سيكتشفون فجأة حينها أن قواتهم الخاصة قد أصبحت منهكة ومستنزفة، وفريسة لحملات تشويه من قبل السياسيين الأميركيين المهتمين بالمناصب، وبتجنب الانتقادات الدولية، بدلاً من تأمين بقاء أميركا نفسها.
التعليقات