مصطفى زين

خمس سنوات على احتلال العراق. ما زالت الفضائح والأكاذيب التي سبقت الحرب ورافقتها تتكشف واحدة بعد الأخرى. من ثبوت عدم امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، بشهادة الاستخبارات الأميركية ذاتها، الى تأكيد عدم وجود أي صلة بين نظام صدام حسين وتنظيم laquo;القاعدةraquo;. خمس سنوات حوّلت العراق الى ساحة للمعركة بين الاسلاميين والولايات المتحدة. الى موطن للنهب والتهريب، وبلاد يحاولون محو ذاكرتها التاريخية والحضارية، مرة باسم الديموقراطية ومرة باستحضار خرافات دينية لتغذية التطرف الطائفي والمذهبي.

قضى الاحتلال على أي تضامن وطني باسم العراق الواحد، أو باسم العروبة. حوّل بلاد الرافدين الى طوائف وعشائر متناحرة، ساعده في ذلك ارث من القمع والاستعباد خلفه النظام السابق. لم يعد الصراع بين هذه الطائفة وتلك، بل تعداه الى قلب الطائفة ذاتها. حزب laquo;الدعوةraquo; أصبح أحزاباً. تيار الصدر أضاف الى صراعه التقليدي مع آل الحكيم، صراعاً بين جناحيه، تبرأ زعيمه من أحدهما. وانتقل التناحر بين أطياف المذهب الى الجنوب، حيث يكثر النفط والثروة، وحيث الحدود الرسمية مع ايران، أما الحدود غير الرسمية فتمتد الى داخل بغداد نفسها. والجميع يتوقع حرباً شيعية - شيعية.

في الغرب أصبح laquo;الحزب الاسلاميraquo; أحزاباً. تحالف مع الأميركي وعينه على laquo;القاعدةraquo; التي ازدهرت في المناطق السنية. دخل في تحالف مع تكتلات سنية أخرى. لم يستطع، معها، السيطرة على المنطقة. كان هذا الجزء من العراق تحت سيطرة التنظيم الدخيل والعشائر التي دانت له، خوفاً من الشيعة وايران، وتوهم المحافظة على سلطة كانت لعشيرة صدام ولم تكن لها.

الحرب الأهلية التي أشعلتها laquo;القاعدةraquo; بين السنة والشيعة، والتطهير المذهبي في بغداد والمحافظات الأخرى، جعلا التنظيم يرتد على العشائر لإخضاعها لسلطته فـ laquo;صحتraquo;. لجأت الى الأميركيين. شكلت ميليشياتها الخاصة (80 ألف عنصر). laquo;أنقذتraquo; نفسها من سطوة laquo;القاعدةraquo;. ومن سلطة الحكومة. لكنها اصطدمت بالحزب laquo;الاسلاميraquo;. وها هي الآن تطالبه بـ laquo;الرحيلraquo; من مناطقها. والمعارك متوقعة بين الطرفين في أي لحظة. واذا لم تكن المعارك بينها والحزب ستكون بين بعضها بعضاً لأن laquo;الصحوةraquo; تحولت الى laquo;صحواتraquo;. والمطلوب سيطرة طرف على مناطقها كي تصبح جاهزة للتقسيم الفيديرالي الذي ينص عليه الدستور. وكي تؤمن مناخاً يرتاح اليه الأميركيون قبل أن ينسحبوا من المدن الى قواعدهم العتيدة، بناء على اتفاق laquo;استراتيجيraquo; مع الحكومة المركزية.

هذا في الغرب والجنوب أما في الشمال فالأكراد laquo;استقلواraquo; بإقليمهم. لديهم جيشهم الخاص، ومحاكمهم، وبرلمانهم، وحكومتهم. لا ينقصهم لاعلان الانفصال سوى مباركة الدول المجاورة، خصوصاً تركيا. أما الاحتلال الأميركي فآخر همه وحدة العراق.

ولكن ماذا عن بغداد والوسط؟ الواقع أن عمليات التطهير المذهبي، والجدران الفاصلة والصحوات، كلها تتكفل بتقاسم السلطة في العاصمة المركزية. هذا، باختصار شديد واقع العراق بعد خمس سنوات من الاحتلال. وأكثر من مليون قتيل. وملايين النازحين واللاجئين. وتهديم كل بناه التحتية. وسيطرة الأحزاب الدينية.

وعلى رغم ذلك، وقف الرئيس جورج بوش منذ يومين معلناً انجازات استراتيجية. أهم إنجاز ذكره إطاحة صدام حسين. لكنه لم يذكر الانجاز المهم الآخر وهو أن الحرب ساعدت ايران في مد نفوذها الى مفاصل العراق، من جنوبه الى شماله. ودفعت واشنطن ثمن هذا التمدد ثلاثمئة بليون دولار وأربعة آلاف جندي قتيل وعشرات آلاف العسكريين الجرحى.

بفضل جهل ادارة بوش، وحماستها للسيطرة على النفط وسعيها الى حماية اسرائيل خاضت أميركا الحرب واحتلت العراق. لكن ايران انتصرت وصدَّرت ثورتها الى أحد أهم البلدان العربية.

وبعد كل ذلك نطلب من الولايات المتحدة مساعدتنا في لبنان وفلسطين. في ظل الاحتلال تزدهر الخرافات ويعم الجهل.