طلال عوكل

على نحو مفاجئ، بادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، بدعوة وفدين منفصلين من منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عضو اللجنة التنفيذية صالح رأفت ومن حركة حماس برئاسة موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، بهدف تحريك مبادرته التي كان طرحها من قبل.

وبالرغم من أن المبادرة قد تم تبنيها من قبل وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم في القاهرة، في الخامس من مارس الجاري، إلا أن شيئاً لم يتحرك منذ ذلك الوقت سوى إعلان حركة فتح والرئيس محمود عباس عن قبولها، وإعلان من حركة حماس يعبر عن تأييد متحفظ، إلى أن تغير الموقف أثناء وجود الوفدين في صنعاء، حيث وقف الطرفين على المنصة ذاتها من القبول بعد محاولات لم تنجح لتعديلها.

التوقيت المتزامن لزيارة الوفدين الذي اختاره اليمنيون، قبل انعقاد قمة دمشق بنحو عشرة أيام، لم يكن عفوياً، أو صدفياً، فاليمنيون قرأوا على الأرجح، إمكانية كل طرف، وحاجاته ومصالحه التي قد تتجاوز حدود ما هو معروف عن حاجة الطرفين لتجنب إفشال الدور اليمني خصوصاً حين يكون الرئيس هو المعني بالأمر.

ولا نظن أيضاً أن استجابة الوفدين للمسعى اليمني على القدر الذي لاحظناه، تعود إلى طفرة مفاجئة في الوعي إزاء المخاطر الكبيرة التي ترتبت وتترتب على استمرار حالة لانقسام والصراع المرير بين الأطراف الفلسطينية، إذ أن هذه المخاطر لم تعد خافية على أي مواطن فلسطيني فكيف ونحن نتحدث عن قيادات تاريخية، لحركات كبيرة وفاعلة.

إذاً من الذي حرك مواقف الطرفين إلى الحد الذي يجعلهما يجلسان على طاولة واحدة، ويوقعان على وثيقة، ويتبادلان القبل، بعد قطيعة دامت لأكثر من تسعة أشهر اتسمت بقسوة الصراع وكثرة ضحاياه، وبعد أن كانا لا يلتقيان حتى في مجمع عام، أو بالصدفة البحتية؟.

إذا وضعنا جانباً أن حركة فتح تجد في المبادرة اليمنية ما يلبي تماماً ما ظلت تقبله وتردده طيلة الوقت، ويبدأ كما بدأت المبادرة بالنص الذي يطالب حركة حماس بإعادة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل انقلاب يونيو، فإن تعثر المفاوضات السياسية، واستمرار إسرائيل في سياساتها الاستيطانية والعدوانية، في ظل شلل المجتمع الدولي، وضعف الخيارات المتاحة قد يدفع الحركة لاستثمار حالة التوافق الأولى في صنعاء من باب الحاجة للضغط.

حركة فتح تعرف تماماً أن إسرائيل ستحارب بكل قوة، أية محاولة للتقارب بين حركتي فتح وحماس، بغرض استعادة الحوار والوحدة، ذلك أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي بقاء وتعميق وتأبيد ظاهرة الانقسام الفلسطيني، وتعميق حالة الصراع والكراهية بين الطرفين الفلسطينيين.

لقد سبق أن هددت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني بمنع تقارب الحركتين، وبعد لقاءات صنعاء أعلن ناطق رسمي إسرائيلي، أن حكومة أولمرت ستتخذ موقفاً بوقف المفاوضات مع الرئيس عباس، في حال اجتمع مع حركة حماس، والحال أن موقف الإدارة الأميركية إزاء تقارب حركتي فتح وحماس لا يمكن أن يخرج عن إطار الموقف الإسرائيلي.

ولذلك فإن تقارب الحركتين حتى في حدود ما جرى في صنعاء، يدق أجراس الإنذار في تل أبيب وواشنطن بما قد يؤدي إلى تحريك المفاوضات على نحو أفضل. وقد لاحظنا بعد إعلان صنعاء وتهديد الناطق الإسرائيلي، أن وزير الدفاع ايهود باراك وعلى نحو مفاجئ، أعلن عن السماح بنشر ستمائة شرطي فلسطيني لضبط الأمن في محافظة جنين، وهو ما ترددت إسرائيل طويلاً في الموافقة عليه.

وقد جاء ذلك أيضاً قبل أربع وعشرين ساعة من لقاء باراك مع رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور سلام فياض، وقدم فيه باراك بعض الوعود بتسهيلات وربما كان لهذه الحسابات علاقة بالمماحكة الإعلامية العلنية التي وقعت بين رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام الأحمد، الذي وقّع عن حركة فتح في صنعاء وبين المستشار السياسي للرئيس عباس نمر حماد، واعتبرتها حركة حماس مؤشراً على تراجع حركة فتح.

على الجانب الآخر، تصرفت حماس بوحي من الحاجة لدعم سوريا التي تنعقد فيها القمة العربية، وتحتاج إلى مثل هذه الورقة للتخفيف من وطأة الأزمة التي نشبت بينها وبين بعض الأطراف العربية على خلفية فشل المبادرة العربية لمعالجة الأزمة في لبنان، وتتهم سوريا بأنها لم تلعب الدور الإيجابي الذي يسهل نجاح المبادرة.

السوريون يؤكدون أن هذه القمة هي قمة فلسطين، لكننا لا نتوقع أن تتخذ القمة قرارات حقيقية وجادة بمستوى هذا التعهد، وفي كل الأحوال، لا نعتقد أن ثمة إرادة لدى الأطراف العربية للارتقاء بمستوى تعاطيهم مع الموضوعات الفلسطينية إلى الحد الذي يطمس ملف الأزمة اللبنانية، أو إلى الحد الذي يفتح خيارات جديدة في التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني والعربي - الإسرائيلي.

وإذا كان ما جرى في صنعاء ليس أكثر من تجاوز الحاجز النفسي في العلاقة بين حركتي حماس وفتح، وإعلان تعهد، بالبدء في الحوار خلال الأسبوع الأول من أبريل المقبل على أساس الموافقة على المبادرة اليمنية، فإن حجم ما جرى في صنعاء وبعدها، لا يجعلنا ننتقل من مربع التشاؤم إلى مربع التفاؤل، أو حتى التشاؤل.

ففي الأمس القريب اجتمعا الطرفان برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله وتبادلا الابتسامات والنكات والعناق، وحلفا أغلظ الإيمان، وكل ذلك أمام عدسات الكاميرا، ثم عرفنا كيف انتهى الأمر باتفاق مكة، وبعد كم من الوقت أصبح جزءاً من التاريخ. فضلاً عن ذلك فإن المؤشرات الكلامية والسلوكية التي جاءت بعد توقيع ممثلي الحركتين في صنعاء، تنتمي إلى مناخات الانقسام والصراع وتعميق الشكوك والأحقاد والاتهامات، ولا تنتمي أبداً إلى أجواء المصالحة.

الطرفان سيكونان على المحك قريباً، رغم الخلاف الأولي حول تفسير الورقة التي وقعا عليها، إذ تعتبرها فتح، تعهداً ببدء حوار بهدف تطبيق المبادرة اليمنية كما جاءت وبالترتيب التي جاءت فيه البنود، فيما تعتبرها حماس مجرد إطار للحوار والفارق جوهري وكبير بين هذين التفسيرين.

هذا الفارق يجعل فتح تتهم حماس بسوء النية وبعدم جدية موافقتها على المبادرة لأن اعتبار الوثيقة إطاراً يعني عودة المحاولات لتعديل مضامين وبنود المبادرة الأصلية، فيما تتهم حماس حركة فتح والرئيس عباس بأنه غير قادر على تجاوز الاعتراف الإسرائيلي الأميركي.

إذا كان الأمر كذلك، فإن على حركة حماس أن تسّهل الوصول لحوار واتفاق حتى تضع الرئيس عباس أمام خيارين، فإما أن يربح شعبه وقضيته ويخسر مفاوضات فاشلة، وإما أن يسعى وراء مفاوضات لا طائل من ورائها ويخسر أهله وقضيته.

وفي كل الأحوال فإن تطوير النجاح الأولي المتواضع الذي حققته صنعاء يقتضي توفر جملة من الضمانات أولها، توقف الحملات التحريضية بين الطرفين، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء ينتمي إلى مناخات الانقسام والكراهية، فضلاً عن توسيع إطار الحوار ليشمل كافة القوى الفلسطينية، خصوصاً بعد أن فشلت صيغ المحاصصة الثنائية في مكة.

ثانيها مطلوب من القمة العربية أن تتخذ قراراً واضحاً وقوياً بتبني المبادرة اليمنية كما هي، واتخاذ الآليات والترتيبات الضرورية، لممارسة ضغط عربي جماعي إن اقتضي الأمر على الطرفين الفلسطينيين المتصارعين، أو على الطرف الذي يتحمل مسؤولية التعطيل.

في هذه الحالة يمكن أن تكون بارقة الأمل التي ظهرت في صنعاء بداية لأمل افتقده الفلسطينيون أشهراً طويلة، يعيد إليهم وحدتهم ويعزز قدرتهم على الصمود ومجابهة التحديات المتعاظمة التي تنتظرهم من عدو لا يرحم، وعالم لا يزال يرى بالعين الإسرائيلية.