الياس حرفوش
لو كان الأمر، كما تصوره حكومة نوري المالكي، أي حرباً على العصابات المسلحة التي لا تحترم الشرعية، لأمكن اعتبار ما يجري في البصرة وبغداد وسواهما من المناطق التي يوجد فيها التيار الصدري، مدخلاً الى مشروع وطني عراقي يعيد الوزن الى دولة القانون بعيداً عن المحاصصات المذهبية والطائفية والعرقية. فالاقتتال داخل الطوائف يمكن ان يكون محموداً اذا كان يصب في غاية وطنية، أي لكسب هذه الطوائف الى الولاء الوطني.
أما والحال على ما هي عليه في زمن التقاسم الطائفي للمواقع الرئيسية في الدولة، وفي زمن يغلب فيه الانتماء المذهبي والعرقي لمعظم المسؤولين العراقيين على الانتماء الوطني، فإن آخر ما يمكن ان يقال عن الاوضاع العراقية في ظل المواجهات التي نشهدها الآن هو انها تؤسس لمشروع وطني، بمعنى مشروع الدولة التي تجسد في مؤسساتها طموحات مواطنيها بصرف النظر عن ولاءاتهم الصغرى.
من هنا يُفهم الصراع بين المالكي وخصومه الصدريين على انه يهدف الى استعادة نفوذ طرف شيعي وعائلة نافذة على حساب طرف شيعي وعائلة نافذة اخرى. وعندما يأتي ذلك عشية انتخابات مجالس المحافظات التي يفترض ان تفرض مواقع السيطرة في المناطق العراقية، والتي كان ينتظر ان يحصد فيها الصدريون حصة كبرى في الجنوب، تصبح هذه المواجهات حرباً على الشارع الشيعي لكسب ولائه وإضعاف خصوم حزب laquo;الدعوةraquo; و laquo;المجلس الاعلى للثورة الاسلاميةraquo;، وليس بهدف تحرير هذا الشارع مما يوصف بأنه سيطرة العصابات والميليشيات والقوى المسلحة الخارجة على النظام.
لكن النتائج في هذه الحال ومن اجل هذا الهدف غير مضمونة. اتباع مقتدى الصدر يمسكون بمواقعهم ويسيطرون على مناطق تجد القوات الحكومية صعوبة في اختراقها. وفي laquo;مدينة الصدرraquo; في بغداد تشير التقارير الصحافية الى ان افراداً من الأجهزة الأمنية يلقون السلاح الرسمي ويلتحقون بجيش المهدي، خوفاً مما يمكن ان يلحق بهم وبعائلاتهم نتيجة القتال الدائر الآن، واذا انتهت المعارك الى غير ما تتمنى الحكومة. كما أن مجرد اطلاق الاشتباكات في الوقت الذي كانت تشيد القوات الاميركية نفسها بالهدوء الذي استتب نتيجة الهدنة التي سبق ان اعلنها مقتدى الصدر، يفتح الباب امام التكهنات بشأن الخلفية السياسية وراء هذه الاشتباكات وأبعادها على ترتيب البيت الشيعي العراقي.
من علامات الضعف الحكومي في هذه المواجهات أن تضطر الحكومة الى تقديم عرض لشراء ولاء اتباع الصدر مقابل القائهم السلاح. هذا يدل على مدى laquo;ثقةraquo; نوري المالكي بمشروعه الذي لا يستقطب الانصار الا بواسطة الرشوة. كما يدل ايضاً على قوة الصدريين واتباعهم وتمكنهم من المناطق الشيعية، نتيجة ارث طويل من التصدي بدأ منذ ايام الرئيس السابق صدام حسين وما عانى تنظيمهم في عهده. لهذا لم يكن من قبيل الصدفة ان يذكّر مقتدى الصدر بذلك عند الاشارة الى امكان laquo;محاكمةraquo; نوري المالكي يوماً ما على غرار ما حصل لصدام. فالمواجهات القائمة تدخل في باب laquo;المحرماتraquo; بالنسبة الى هذا التنظيم، ومن هنا مدى خطورة الخطوة التي اقدم عليها نوري المالكي او التي دُفع اليها.
بالطبع لم يكن الرئيس جورج بوش متنبهاً لهذه الناحية عندما اشار الى ان هذه المعركة laquo;حاسمة ومصيريةraquo; بالنسبة الى رئيس الحكومة. لكنها فعلاً كذلك، ليس فقط لأن عدم تحقيق هدفه بالسيطرة على المناطق الشيعية سيطرح اسئلة حول مستقبله السياسي، بل ايضاً لأنه دخل معركة لا يمكن الخروج منها بنصف انتصار، خصوصاً انه يقاتل طرفاً شيعياً بالتعاون مع المحتل الاميركي.
التعليقات