بلال خبيز
يكاد المرء يجزم أن المناورة الإسرائيلية الأخيرة ليست إلا جولة أولى في الحرب التي ستقوم، فبهذه المناورة تريد إسرائيل إيصال رسالة إلى العالم مفادها، أنها تشعر بالخطر وأن مواطنيها يعيشون في قلب المخاطر التي يسببها لهم سلاح laquo;حزب اللهraquo; وlaquo;حماسraquo; وسورية.
طمأنت إسرائيل سورية ولبنان إلى أن مناوراتها الحربية هي مناورات داخلية ولا تدعو للخوف من نشوب حرب غير محسوبة، مع ذلك بقي laquo;حزب اللهraquo; وقوات اليونفيل والجيش اللبناني في جنوب لبنان على جهوزية كاملة، لكن سورية استدعت احتياطها أو قسماً منه، ولم تلحظ التقارير الإسرائيلية أي تحركات غير عادية على الجانب السوري من هضبة الجولان.
إذاً الحرب لن تقع غداً، لكن أمراً جللاً قد حدث، ويشاء بعض المناضلين أن يأخذوه مزاحاً وهذراً، إسرائيل تقوم بمناورة دفاعية، إنها المرة الأولى في تاريخها، وهذا كان سبباً لبعض عشاق النضال للفخر بنتائج الحرب الأخيرة بين laquo;حزب اللهraquo; وإسرائيل. المعنى: إسرائيل خائفة، وتخاف من مناورتها، والمناورة نفسها تكشف مدى الخوف الإسرائيلي من أسلحة laquo;حزب اللهraquo; الصاروخية. أما اللبنانيون على الجهة الأخرى من الحدود، فصامدون وثابتون في الأرض وينتظرون اللحظة التي ستندلع فيها المواجهات لتبدأ إسرائيل السير على درب نهايتها المحتومة. وما إن أشارت بعض التقارير الصحافية إلى قلق الأهالي في جنوب لبنان، حتى ارتفعت أصوات تنفي خوف الجنوبيين وتؤكد أن الأمور على حالها من الاستقرار والمنعة.
وعلى الأثر أخذت تحليلات صحافية ترجح كفة عدم نشوب حرب حتى لو بسبب مغامرة غير محسوبة. وأسباب ذلك كثيرة ومتعددة بتعدد وكثرة أسباب الظن بأن الحرب واقعة غداً. لكن السؤال الذي يبقى من دون إجابة في هذا كله: إذا كانت الحرب لن تقع، فلماذا تجري إسرائيل مناوراتها الدفاعية؟
طبعاً يستطيع أي كان أن يجيب بالقول إن توازن الرعب يؤدي حتماً إلى استئخار الحرب، مثلما حدث أثناء الحرب الباردة بين العملاقين السوفييتي والأميركي، وهذا رد وجيه، وإن كان لا يشكل إجابة عن السؤال إياه، وأغلب الظن، بل يكاد المرء يجزم أن المناورة الإسرائيلية الأخيرة ليست إلا جولة أولى في الحرب التي ستقوم، فبهذه المناورة تريد إسرائيل إيصال رسالة إلى العالم مفادها، أنها تشعر بالخطر وأن مواطنيها يعيشون في قلب المخاطر التي يسببها لهم سلاح laquo;حزب اللهraquo; وlaquo;حماسraquo; وسورية. علماً أن هؤلاء لا يكفون عن التصريح علناً وفي كل مناسبة عن نيتهم في إفناء إسرائيل دولة وشعباً واستعادة فلسطين من دون نقصان. ولأنه لا ينقص إسرائيل دعماً دولياً في صراعها مع خصومها وأعدائها في المنطقة، فإنها تريد من هذه المناورة أن تحصر قائمة أعدائها وتعصرها إلى الحد الأقصى. سورية ليست عدواً، والدليل أنها لم تستدع احتياطها، ومنظمة التحرير الفلسطينية ليست عدواً والدليل أن المفاوضات بين الجانبين قائمة، وهذا شأن الحكومة اللبنانية والفريق الذي تمثله. لتستقر قائمة الأعداء على laquo;حزب اللهraquo; وإيران وحركة حماس، على أمل أن تدخل سورية ونظامها في مفاوضات سلام مباشرة تخرجها من محور الأعداء المباشرين. هؤلاء الأعداء هم من يريدون إفناء إسرئيل وزوالها، وإسرائيل تصدق أنهم قادرون على ذلك، لذا هي تعد العدة للدفاع عن نفسها ومفاجأة الخصم الرهيب في لحظة غفلته.
وعليه يمكن القول إن إسرائيل خاضت جولة الحرب الأولى وحققت ما تريد تحقيقه. يبقى أن العبرة في الميدان، والحق أننا نريد أن نصدق أن أسلحة laquo;حزب اللهraquo; قد تنهي إسرائيل، لأننا لو لم نصدق ذلك، سيكون العكس صحيحاً وينتقل الدمار من جهة إلى جهة أخرى من الحدود. وحين تكون معركة laquo;حزب اللهraquo; القادمة هي معركة إنهاء دولة إسرائيل وإزالتها، فالأحرى أن تخوض إسرائيل حربها المقبلة وفق معيار مماثل. أي أنها ستخوض معركة إزالة كل أسباب التهديد الذي يشكله laquo;حزب اللهraquo;. ومن نافل القول إن أسباب التهديد لا تختصر في عدد الصواريخ ومهارة المقاتلين، بل في الحضن الذي يحمي هؤلاء المقاتلين، وفي الأرض التي تخفي ترسانة الصواريخ، وفي المصدر الذي تأتي منه الصواريخ وذلك الذي تمر عبره.
إذا كانت المناورة تهدف إلى إفهام الرأي العام الإسرائيلي إن كلفة هذه الحرب ستكون باهظة على المستويات كافة، فإن ذلك يعني بالنسبة للجنرالات الإسرائيليين ضرورة أن تلحظ خططهم إلحاق الأذى بكل ما تطاوله أسلحتهم، وكل ما يقع تحت مرمى نيرانهم. ومعنى ذلك أن حرباً لن تقع بين laquo;حزب اللهraquo; وإسرائيل، بل إن الحرب ستكون شاملة وضارية ومنفلتة من كل عقال إلى حد تصبح معه المعركة مع laquo;حزب اللهraquo; معركة جانبية من معاركها الكبرى. لهذا حري بسورية أن تستدعي احتياطها، وحري باللبنانيين أن يستعدوا لحرب لا خطوط حمر فيها، ولا مناطق آمنة.
التعليقات