حسن مدن
في مثل هذا الوقت من عام 2003 اختارت هيئة الإذاعة البريطانية في بغداد بعناية خمس نساء يعملن في مجالات مختلفة لا تخلو من تشويق لتستطلع آراءهن في مستقبل العراق كما تراءى لهن حينها بعد سقوط صدام حسين واحتلال البلاد.
حتى أكثرهن تشاؤماً، زينة زكي جميل أستاذة الرياضيات بجامعة بغداد، بدت ميالة للاعتقاد أن العراق قادر على النهوض لو ترك الأمريكيون للعراقيين حرية صنع مستقبلهم، الأمر الذي شككت فيه كثيراً.
الأخريات بدون أميل إلى الرجاء بأن تشكل تلك انعطافة نحو عراقٍ أفضل، ديمقراطي ومستقر ومتطور.
بعد خمس سنوات على الاحتلال، بحثت شبكة الإذاعة البريطانية عن النساء الخمس لتعيد استطلاع رأيهن في ما جرى، متيحة لنا الفرصة للمقارنة بين ما قلنه أول مرة وما يفكرن به الآن.
غضون الزمن على وجوه النساء الخمس بدت واضحة، إلى الدرجة التي تجعلك للوهلة الأولى تتساءل: هل حقاً هن أنفسهن؟ خمس سنوات كافية لأن تترك من الآثار الكثير على وجه الإنسان، فما بالنا إذا كانت هذه السنوات مرت على هؤلاء النسوة وهن في العراق الراهن؟
ليست الآثار على ملامح الوجوه إلا تعبيراً عن حال الإحباط التي بلغتها النساء الخمس، شأن كل العراقيات، والعراقيين أيضاً.
لقد تبددت كل الآمال التي انتعشت في الصدور. مكان الديكتاتور الراحل أتى حكام منشغلون بترتيب أوضاعهم وثرائهم.
عميدة الرفيعي أول صحافية عراقية، والبالغة من العمر الآن خمسة وسبعين عاماً، وشاركت في الحركات النسائية وناضلت من أجل الديمقراطية، وما زالت تقيم في بغداد، تقول إن أعضاء البرلمان العراقي معنيون بأمر رواتبهم وتقاعدهم لا بمستقبل البلد ومصير شعبه.
سافرة جميل حافظ العضوة السابقة في رابطة المرأة العراقية والكاتبة التي صدرت لها عدة كتب، وبعد الاحتلال أخذت على عاتقها مهمة شراء اللوحات التي سرقت من المتاحف العراقية من السوق السوداء والاحتفاظ بها في قاعة عرضٍ تديرها، ترى أن العراق اليوم أبعد ما يكون عن الديمقراطية.
أما بان جميل يوسف، المسيحية ومغنية الأوبرا، فقد آل بها الأمر مع زوجها إلى السويد، مؤدية في كورالٍ هناك، لأن الحياة في بغداد لم تعد تحتمل.
جانيت دونابيت كيراكوسيان، الأرمنية العراقية التي درست التجميل في ألمانيا وتتكلم عدة لغات، ترى أن آمالها في عراقٍ أفضل تبدو بعيدة المال.
وحين سألها المحاور عما إذا كانت تفكر في الهجرة، انهمرت دموعها وهي تقول: لا أتحمل مغادرة العراق.
التعليقات