خيرالله خيرالله

تشهد الكويت هذه الأيام حركة تصب في اتجاه مزيد من الانفتاح مع تجنب الانفلات. هذا هو الانطباع الذي يخرج به زائر الدولة الصغيرة المسالمة التي تقيم بين جيران كبار. يندرج الانفتاح المطلوب كويتياً في إطار احترام القانون لا أكثر. كان الملتقى الإعلامي العربي الخامس الذي استضافته الكويت قبل أيّام مناسبة للتأكد من مدى التطور الذي تشهده هذه الأيام الكويت خصوصاً ودول الخليج العربية عموماً، رغم التعقيدات التي تشهدها المنطقة والمخاطر التي تمر فيها. لم تعد في دول الخليج محرمات. صار الكلام الصريح عن الإصلاحات والديموقراطية وحقوق المرأة أمراً عادياً. بات الأمر يناقش بهدوء. ثمة مجال لطرح كل الآراء كي تتواجه في ما بينها، ولكن من دون تحول المواجهة إلى صدام... حتى عندما تتعرض إحدى النساء إلى مسألة الحجاب! كان هناك شبه إجماع لدى الذين شاركوا في الملتقى الذي كان نجمه غسان تويني، والذي نظّمه الزميل ماضي الخميس، أنه كان استثنائياً بكل المقاييس. تحدثت الزميلة اللبنانية مي شدياق، التي تعرضت لمحاولة اغتيال، عن معاناة لبنان من خلال معاناتها. لم تترك مجالاً لأدنى شك في الجهة التي تقف وراء الاغتيالات والإرهاب الذي يستهدف لبنان. وتحدثت السعودية نادين البدير بكل جرأة عن تجربتها كامرأة تعمل في مجال الإعلام. وتحدثت الأردنية من أصل فلسطيني منتهى الرمحي عن تجاوزها القيود العائلية تمهيداً لدخول حقل الإعلام. وقدّمت اللبنانية نيكول تنوري عرضاً اتسم بالروح العلمية للعقبات التي تواجه امرأة اختارت الإعلام مهنة لها. ووقف غير مشارك مشدوها أمام جرأة الكاتبة الكويتية إقبال الأحمد واستمع الحاضرون بتهيب للدكتورة بروين حبيب، وهي من البحرين، تعرض تجربتها... ولما تستطع امرأة شجاعة تحقيقه على صعيد تطوير المجتمع، وذلك من خلال القطرية الدكتورة إلهام بدر التي تحدت باكراً تقاليد المجتمع الذكوري.
كانت الجلسة مع النساء التي أدارها رجل، هو النجم التلفزيوني نيشان دير هاروتينيان، مؤشراً إلى الرغبة في تجاوز القيود التقليدية من دون عقد، ولكن مع المحافظة على القيم الحقيقية للمجتمع الخليجي بعيداً عن أي نوع من التعصب أو التزمت أو أي أنتقاص من حقوق المرأة.
كذلك، كان الملتقى مناسبة لرؤية الحراك السياسي الذي تشهده الكويت، الدولة الصغيرة المحاطة بالأزمات والتي تمر في مرحلة انتقالية بكل معنى الكلمة خصوصاً على الصعيد الداخلي. بعد الحرب على العراق التي أدت إلى زوال نظام هدد وجود الكويت المسالمة وعطل الحياة فيها فترة من الزمن، يبدو الهمّ الكويتي منصباً على اللحاق بركب التطور الذي شهدته بقع معينة في الخليج. ولذلك تخوض الكويت حالياً حرباً على جبهتين متلازمتين هما السياسة والاقتصاد. والسياسة تعني هنا قبل كل شيء الإصلاحات الداخلية بهدف تكريس دولة المؤسسات والقانون. تسارعت الإصلاحات في الكويت منذ صار الشيخ صباح الأحمد أميراً. وجد صاحب السمو الشيخ صباح الذي يُعتبر أقدم وزير للخارجية في العالم أنه لا بد من إعادة تكييف الوضع الداخلي على قياس التطورات الإقليمية، فأطلق الحريات العامة إلى حدود عالية. تكرس في عهده حصول المرأة على حقوقها السياسية كاملة فشاركت للمرة الأولى في التصويت والترشح للانتخابات، وأُقرّ قانون جديد للإعلام أدى إلى الانتهاء من احتكار الصحف الخمس للساحة الإعلامية. وسمح القانون بأن تكون هناك تلفزيونات خاصة. ترجمة ذلك، أن في الكويت اليوم 12 صحيفة يومية وتلفزيونات خاصة عدة أولها تلفزيون laquo;الرايraquo;. وهناك الآن طلبات للحصول على نحو عشرين رخصة لتلفزيونات خاصة. إنها فورة أعلامية لم تشهد البلاد شبيهاً لها الماضي، وهي تترافق مع حركة بناء ناشطة وتوسع اقتصادي في كثير من المجالات على رأسها القطاع المالي والمصرفي.
تكمن أهمية ما يدور في الكويت حالياً في وجود رغبة حقيقية لدى الحكم في العمل بموجب القانون ولا شيء غير القانون. لذلك، رفع الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيس الوزراء شعاره المشهور laquo;مسطرتي القانونraquo;. يذكر شعاره بذلك الذي اعتمده الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب: laquo;شو بيقول الكتابraquo;. إلى الآن دفع الشيخ ناصر غالياً ثمن التمسّك بتطبيق القانون، لكنه لم يتراجع قيد أنملة. وفي هذا المجال يقول وزير كويتي بارز: هل سمعت يوماً أن في العالم حكومة ترفض الرقابة على الصحف والمطبوعات، فيما يطالب نواب بها؟ هل سمعت يوماً بحكومة تسعى إلى إقرار قوانين اقتصادية عصرية تشجع الاستثمار والمستثمرين ، فيما النواب يعرقلون ذلك؟ هل سمعت يوما بحكومة ترفض البناء على أرض الغير ومخالفة قوانين البناء فيما يصر النواب على استمرار المخالفات؟
تمر الكويت في مرحلة انتقالية. تواجه تحديات خطيرة عائدة إلى الوضع الإقليمي المعقد. من يستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في العراق؟ من يستطيع تحديد نوع المواجهة التي ستحصل بين إيران من جهة والمجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة من جهة أخرى بسبب البرنامج النووي الإيراني؟ في هذه المرحلة الانتقالية التي تفرضها الظروف والأوضاع الإقليمية، ليس في استطاعة دولة صغيرة مثل الكويت سوى تحصين نفسها من داخل عن طريق اعتماد القانون والتمسك به بما يعزز الحس الوطني لدى الكويتيين. وحده التمسك بالقانون والمؤسسات يسمح بالتفكير في المستقبل وفي كيفية توظيف العائدات النفطية المرتفعة في مشاريع أساسية تخدم المواطن في المدى الطويل. وبين هذه المشاريع تطوير حقول الشمال النفطية وتأسيس مدن جديدة...
ليس صدفة أن أمير الكويت اختار قبل أسابيع قليلة حل البرلمان معتمداً على الدستور، علماً بأنه يمتلك كل الصلاحيات بما في ذلك تلك التي تخوله إغلاق المجلس النيابي (مجلس الأمة) الذي عرقل كل المشاريع التي تصب في تطوير البلد وتحسين الوضع المعيشي للمواطن. إنه خيار واضح. القانون والدستور يحميان الكويت وليس المزايدات. في النهاية، القانون الدولي هو الذي حمى الكويت عندما تعرّضت إلى ظلم ليس بعده ظلم عندما أقدم صدّام على مغامرته المجنونة في العام 1990. هل يتذكر المزايدون في الكويت وخارج الكويت ذلك؟ من يتذكر ذلك يستطيع الاستفادة من تجارب الماضي القريب. من هو قادر على الاستفادة من تجارب الماضي يستطيع توظيف هذه التجارب في خدمة المستقبل بدلاً من تكرار الأخطاء التي لا تقود سوى إلى تكرار الأخطاء التي أدت إلى حال من الجمود صبت في جعل الوضع في الكويت يراوح مكانه لفترة لا بأس بها. الخيار الكويتي واضح. إنه بين الحركة والجمود. اختار الحكم الحركة، أي التواصل مع المستقبل ومع كل ما هو عصري وحضاري في العالم. هل يلتحق المزايدون به أم يفضلون الغرق في السجالات التي لا تقدم ولا تؤخر وتجعل من الكويت ضحية المزايدات التي لا تصب سوى في مصلحة الجمود...؟