غسان تويني
هذه الرسالة أوجهها الى الزملاء النواب، ليس كواحد منهم ndash; واعتقهم في النيابة ndash; بل كصحافي قرأ الدعوات من المجتمع المدني لجعل ذكرى 13 نيسان مناسبة تعاهد جديد على رفض الوقوع في فخ 13 نيسان آخر، أياً يكن الذي ينصب الفخ للبنان، ولمؤسساته الديمقراطية ولشعبه ومواطنيه، بل لرسالته التاريخية التي تتبخّر تدريجاً وليس في مؤسسات الحكم من يبدو واصلاً الى حد ابتكار وسيلة للتضحية بأنانية موقفه أو موقعه من أجل انقاذ الجمهورية التي اذا طال فراغ رئاستها صارت الى ما هو أسوأ من اية quot;حرب أهليةquot;... الى حال quot;الدولة الزائلةquot;... وهي حال معترف شرعياً ودولياً باحتمال وقوع الدول فيها، وقد نصّ ميثاق الأمم المتحدة على طريقة تعهدها اذذاك بما يشبه المرحلة الانتقالية ndash; ولو quot;قانونيةquot; مشرعنة ndash; على طريق العودة من الاستقلال (أياً يكن الثمن الذي دفعته من أجل نيله) الى الاستعمار، ولو مقنّعاً بالعناية الدولية.
اوَيمكن أن يكون أحد من السادة النواب، والزعماء من بينهم بنوعٍ أخصّ من قد تنبّه الى هذا الخطر، فقرر الانتفاض للحؤول دونه؟
ولأنني أنا الذي ابتكرت، في كتاب نشرته في باريس عام 1985، نظرية quot;الحروب من أجل الآخرينquot;... أجد نفسي اليوم، وبعد ما يزيد على ربع قرن، خائفاً بل مرهوباً بأن أضطر مرة أخرى للدعوة الى فضح quot;الآخرينquot; هؤلاء (ولعلهم هم اياهم الذين توسلوا أجسادنا وقلوبنا وعقولنا والبطولات والتضحيات في محاربة أعدائهم الذين ربما هم اليوم مرة أخرى، في صفوفنا يتوسّلوننا في حروب نظنّها quot;وطنيةquot; وهي من أجل سوانا، ونحن ببطولاتها الزائفة سكارى وفرحون)!!!
أكتب هذه الرسالة وانا عائد من زيارة لدولة الكويت التي قال لي كثيرون من اصدقائي فيها أنهم يخافون على امارتهم الفتية أن تستحيل لبنان آخر كما يخافون على ديمقراطيتهم ان تصاب بما اصاب الديمقراطية التي كانت نموذجهم، ديمقراطية لبنان... وهم الذين كانوا الى أمس يفتخرون بأنهم لبنان الخليج وبأن لكثيرين منهم في لبنان منازل يشتاقون اليها الآن ولا يجرؤون على زيارتها، كرئيس الوزراء (الذي يملك فيلا في قرية أدما بضاحية جونيه) ووزير يفوتني اسمه قال لي: لن تصدّق اذا قلت لك أين هو منزلي اللبناني... انه في عقر دارك أنت، في ساحة ساسين بالاشرفية وأنا الآن حزين لأنني لا أذهب اليه كما اعتدت لامضي عطلتي الاسبوعية... ناهيك بمن منهم ولد في لبنان (كوزير الخارجية الذي قال لي انه من بعلشميه، فظننته يمازحني الى ان تذكرت انه ابن الامير السابق الشيخ صباح السالم الصباح الذي كان يصطاف في عاليه سنوات، ولعل منزله هناك لا يزال ملكاً للعائلة).
يبقى الحديث الأهم الذي أود في هذه العجالة تسجيله، رسالة الى السادة النواب لعلهم يتّعظون، وهو الحديث مع سمو الأمير صباح الاحمد الجابر الصباح quot;ابي ناصرquot; للبنانيين الذين خبروه منذ بداية الحرب وزير خارجية (وكنا كأصدقائه نفاخر بأنه اعتق واعرق وزير خارجية في العالم) جعل المساهمة في حل الأزمة اللبنانية قبل ان تتفاقم الحرب quot;أجندتهquot; الوحيدة، قائلاً لسائليه quot;أية قضية أهم في السياسة الخارجية الكويتية من المساهمة في وقف حرب لبنانquot;...
وهو الذي دعا الى quot;القمة السداسيةquot; في الكويت عام 1989، وقد جعلها قمة رؤساء روحيين وسياسيين في آنٍ واحد. وعلى رغم اجواء الوفاق التي كانت سائدة، تمكن الذين كانوا قد ارادوا الحرب ولم يكونوا قد جنوا ثمارها بعد ndash; تمكنوا من اغراق القمة في شكليات أحبطتها. فاستمرت الحرب حروباً الى ان كان quot;مؤتمر الطائفquot; السعيد الذكر (والذي يتناقص اكثر فأكثر ذكر السعادة به، وحسبه انه انتقل بنا من حال التحارب المتزايد في كل الاتجاهات، ومن حال الوطن السائب لكل الاجتياحات الى حال دولة تمكنت من تعديل دستورها وعقد مجلس نوابها مرتين متتاليتين لانتخاب رئيس خارج العاصمة في منفيين على رغم حلّه المزعوم على يد سلطة رعناء مختلّة التوازنات، تستمر في معارضة الشيء ونقيضه وفي ادعاء الأمر ونقيضه كذلك!!!
حديث الطائف وذكريات القمة السداسية كانت حاضرة في الأفق عند زيارتنا الأمير رئيس دولة الكويت. وكان لا مفر من ان ينطلق الحديث من شائعة كانت تتداولها الأوساط السياسية والصحافية يومذاك عن وساطة ينوي سمو الامير القيام بها. فنفى سموه الأمر نفياً قاطعاً قائلاً ان الكويت غير مؤهلة للاضطلاع بدور وساطة لأنها ليست على مسافة متساوية من الافرقاء... فهي مع لبنان وهي الى جانب السعودية على رغم اشتراكها في قمة دمشق التي تربطها بها علاقات ودية تستوجب عدم المقاطعة ولو تضامنا مع السعودية ومصر.
فكان من الطبيعي، بل المنطقي اذذاك ان اسأله عن امكان قيامه بمسعى لدى الرئيس بشار الاسد بصفته رئيس القمة العربية لهذه السنة مطالباً اياه بالمساهمة في حل الازمة اللبنانية للحؤول دون تطورها الى ما لا تحمد عقباه عربياً. فاطرق، ولم يستبعد الأمر كلياً، انما قائلاً انه على موعد مع الاطباء لاجراء فحوص ضرورية، وسيرى بعد ذلك.
فظننت انه يؤجل الجواب في انتظار زيارة الرئيس السنيورة الذي كان يومذاك يزور عواصم الجزيرة والخليج. فتطفلت وسألت الأمير متى يزوره الرئيس السنيورة، وهل تحدد موعد لذلك، فكان جواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح ان بيروت لم تكلمنا في الأمر حتى الآن، ولا نعلم ما إذا كانت الزيارة مبرمجة أو مؤجلة.
... والآن، ماذا نقترح على السادة النواب للخروج من quot;الحلقة الدستورية المفرغةquot;؟
أولاً: نقترح على رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ان يستجيب لدعوة quot;المجتمع المدنيquot;، بل أن يتبناها ويوجّه من حيث هو دعوة قد يسهل اطلاقها من حيث هو الى الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري مترفعاً عن اتهامهما برفض الحوار، متقدماً خطوة اخرى ndash; بعد تحديد المواعيد المقترحة في 18 و19 و20 و21 وصولاً الى تاريخ 22 نيسان فيكرسه موعداً لانتخاب الرئيس لا رجوع عنه ولا تأجيل له. وتكون الخطوة الجديدة quot;سيناريوquot; للحوار يسقط التحفظات ويقنع الجميع بالقبول، على ان يكون واضحاً ان الحوار يمكن ان يتطرق الى كل القضايا المطروحة، وبنوع خاص قانون الانتخاب على ان يمتنع المتحاورون عن المطالبة بالانتهاء الى شروط تفرض سلفاً على رئيس الجمهورية العتيد.
ثانياً: نقترح على الرئيس السنيورة والنائب سعد الحريري تجاوباً مع مبادرة رئيس المجلس ودعوته الى اجتماع مقفل مع كبار قادة مكونات حركة 14 آذار لمناقشة الموضوع بغير المناظرات الاعلامية التي لا يمكن ان تنتهي الى غير بقاء كل فريق على مواقفه والسعي الى تسجيل النقاط، بدل الانطلاق على طريق الحل الذي قيل عنه انه يبدو نصف مقطوع فلا جدوى حتى من عودة الوساطة العربية الى محاولة سلوكه.
وقد يكون من المناسب، عودة الأمين العام لحضور هذا الاجتماع تمهيداً لاشتراكه في طاولة الحوار وعند الحاجة ادارتها اذا استمر الرئيس البري في اقتراحه المشاركة كأحد زعماء المعارضة لا كرئيس للمجلس.
ثالثاً: نقترح على رئيس المجلس، تسهيلاً للبحث مع الأكثرية، الاستحصال من المعارضة بكل اجنحتها على موقف مماثل لموقف السيد ميشال المر، لجهة تعهد المشاركة في الانتخابات أياً تكن النتائج التي تؤول اليها طاولة الحوار، مع التذكير بأنه من غير الدستوري الآن أن يُطلب من مجلس النواب النظر في أية قضية وتالياً محاولة اشتراع أي قانون باعتبار ان المجلس تحوّل منذ دعوته الى الانتخابات هيئة انتخابية محظور عليها ndash; والسوابق شواهد ndash; حتى الاستماع الى أية خطبة!...
فليتفضل أصحاب مبادرات آخر زمان وليقرأوا نص الدستور والتاريخ البرلماني قبل الفذلكات ومحاولة استحداثها.
رابعاً: مطلوب أخيراً من النواب غير الاعضاء في طاولة الحوار اعتبار المجلس مفتوحاً حكماً والمجيء اليه والاعتصام عند الحاجة في الأروقة بل القاعة.
خامساً: اذا لم يتأكد لسبب ما استمرار التوافق على اعتبار العماد ميشال سليمان مرشحاً، أو قرر العماد الاقلاع عن قبول الترشح، فلماذا لا نعتبر باب الترشيح مفتوحاً ويقترع السادة النواب كل لمن يختار، ويُنتخب هكذا الرئيس بالاكثرية كما انتخب كل الرؤساء السابقين، من اللواء فؤاد شهاب الى الرئيس سليمان فرنجية فالرئيس الياس سركيس فالرئيس أمين الجميل. والوحيد الذي انتخب بالاجماع كان الرئيس كميل شمعون نتيجة اجراء تحكيم بينه وبين الاستاذ حميد فرنجية، المرشح الآخر الوحيد. وتجدر الاشارة تذكيراً لمن لا ذاكرة دستورية لهم، ان الاستاذ فرنجية طلب الكلام ليعلن انسحابه للاستاذ شمعون، وتهنئته، فرفض رئيس المجلس طلبه قائلاً ان الكلام غير مباح في الجلسة الانتخابية.
سادساً: نقترح ان يتوافق النواب، وأن يعلنوا ولو من غير توافق، تصميمهم على البقاء معتصمين في مجلس النواب الى ان يتم انتخاب رئيس بأية صيغة يتمكنون من الوصول اليها.
واذذاك، لا مانع من ان يعود الرئيس بري الى اقفال ابواب المجلس لمنع خروج النواب، ولو تسللاً.
وبديهي ان يحل اذذاك اعتصام النواب في المجلس محل كل اعتصام آخر، ونكون جميعنا قد تجاوبنا لا مع التوصيات والمناشدات العربية والدولية الاجماعية، بل مع صرخات الشعب الذي يفترض في النواب تمثيله وتجسيد ارادته في ممارسة سيادته الوطنية.
وتكون خطوة النواب هذه، quot;الثوريةquot; بعض الشيء، البديل الدستوري من تصاعد الخطى الثورية في الشارع، وذات المنطلق الاجتماعي ndash; الحياتي... وهو الأخطر!
- آخر تحديث :
التعليقات