حسن البراري

لنتخيل السيناريو التالي: الرئيس الأميركي الأسبق كارتر يلتقي مع خالد مشعل في دمشق ويخرج الاثنان ببيان مشترك مفاده أن حماس ترى أن العملية السلمية يجب أن تستأنف من أجل التوصل الى حل الدولتين وأن حماس تقبل بشروط الرباعية الدولية.

بيان كهذا لن يصدقه الكثيرون، ولكنه حتما سيكون له أصداء في العالم لأنه سيكون توجها ثوريا لسببين: أولا تخلي حماس عن أيديولوجية تحرير فلسطين من النهر الى البحر، وثانيا سيكون هذا بمثابة إعلان استقلال القرار الفلسطيني الثاني (استقلال فتح عن التدخلات العربية وهنا استقلال حماس عن التبعية السورية-الإيرانية).

ماذا ستفعل إسرائيل في هذه الحالة، وماذا سيفعل عباس، وماذا ستفعل الدول العربية التي قاطعت حماس بعد أن أخذت الأخيرة بزمام الأمور في غزة، وكيف سيكون رد الولايات المتحدة؟ من دون شك، فإن السيناريو المذكور سيطرح أسئلة من نوع مختلف على كل الجهات المعنية. فهل، على سبيل المثال، لإسرائيل مشروع سلام في المنطقة لا يعكر صفوه إلا التصريحات النارية والعمليات التي تقوم يها حماس بين الفينة والأخرى، أم أن الأمر لا يتعدى كونه حيلة إسرائيلية أخرى للاستمرار في سياسة الوضع القائم لأنها الأقل كلفة إستراتيجيا وداخليا؟ وهل ستلجأ عندها إسرائيل للتصعيد لقتل توجه الاعتدال عند حماس كما هي العادة أم أنها سترى بذلك فرصة تاريخية قد لا تتكرر لعقود من الزمن؟

قراءة سريعة لتطور ديناميكية المشهد الإسرائيلي منذ أن جاء نتنياهو الى السلطة عام 1996 تفيد أن الكابح الداخلي هو العائق الأكبر المسؤول عن فشل كل المبادرات التي جاءت منذ ذلك الوقت. ومن ثم لا يمكن أن نتصور أن تتبرع إسرائيل من تلقاء نفسها بتقديم شروط السلام حتى عندما يكون السلام في صالح المشروع الصهيوني التاريخي.

وإذا كان الأمر كذلك، فما فائدة أن تقدم حماس تنازلات لطرف يعتقد الكثيرون أنه ليس معنيا بأكثر من إدارة حملة علاقات عامة (عملية السلام) واستغلال عامل الوقت لقضم الأرض الفلسطينية؟

جيمي كارتر، في مقابلة نشرتها صحيفة هآرتس يوم أمس، يقول أنه لا يمكن أن نتخيل أن يكون هناك اتفاق نهائي من دون تدخل الولايات المتحدة. وهذا كلام فيه جانب كبير من الصحة. ويستند كارتر على خبرته في صنع السلام بين مصر وإسرائيل إذ يقول بأنه كتب كل كلمة من الاتفاق ومارس الضغط المناسب لحمل الطرفين على التوقيع النهائي وهو ما حصل.

لكن السؤال الذي يحتاج الى تفكير عميق هو كيف لهذا العامل الخارجي أن يكون مبادرا ايجابيا في ظل موقف أميركي بات ثابتا ويعبر عنه من مختلف التيارات السياسية في واشنطن بأن الولايات المتحدة لن تمارس ضغطا على إسرائيل من أجل تقديم تنازلات؟ لا شك أن كارتر يمتاز بالشجاعة إذ نتذكر كتابه الأخير quot;فلسطين: سلام أم ابرتهايد؟quot; لكن المشكلة هي أن هذه الأصوات هي خارج السلطة ولا تؤثر بمجريات الأمور السياسية داخل واشنطن.

وفي ظل غياب العامل الأميركي، تبقى مسألة التأثير في الشارع الإسرائيلي من خلال إقامة تحالفات مع قوى مؤيدة للسلام فكرة مثيرة لكنها حتى الآن لم تحقق أهدافها إذ لم يبق من معسكر السلام الإسرائيلي سوى الإسم. فمركز السياسة الإسرائيلي تحرك بقوة نحو اليمين، ولا يمكن النظر الى حزب العمل بأنه يقع على اليسار، وهذا ما أفادت به أغلبية إسرائيلية في استطلاعات مركز تامي الأخيرة.

في ظل هذه الظروف يبدو مناسبا ضرورة وجود إستراتيجية فلسطينية واضحة للتعامل مع الموقف المعقد. وهذا لا يتم من خلال المقاطعة الفصائلية، وإنما إجراء مفاوضات وحوارات فلسطينية حقيقية (وليست فذلكة) للاتفاق على فحوى المشروع الوطني الفلسطيني.