ديفيد إدواردز

في الثالث من مارس/آذار أوردت صحيفة ldquo;الجارديانrdquo; في تقاريرها أن 70 فلسطينيا قد قتلوا في يومين فقط، بعد أن أطلقت ldquo;إسرائيلrdquo; العنان لهجوم ضخم رداً على صواريخ القسّام الفلسطينية.

وكان أكثر من نصف الاصابات التي وقعت جراء الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; من المدنيين وفيهم نساء وأطفال وأطفال رضّع. وكان البرلماني الفلسطيني المستقل د. مصطفى البرغوثي قد أكد حينها في تقاريره مقتل 177 فلسطينياً منذ مباحثات سلام اجتماع ldquo;أنابولسrdquo; في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2007. وخلال تلك الفترة ذاتها وصل عدد قتلى ldquo;إسرائيلrdquo; إلى أربعة، ثلاثة منهم جنود في جيشها.

وعلى الرغم من استفحال ظاهرة قتل المدنيين الفلسطينيين التي استشرت على نطاق مرعب كان رد فعل جريدة ldquo;الجارديانrdquo; فاتراً متبلداً ينضح باللامبالاة والتجاهل والاستخفاف، كأنها تتناول حقيقة واقعة ينبغي التسليم بها، وصارت من مستلزمات الحياة. وتناسب الصحيفة حقيقة صارخة أكدتها التقارير كافة وتضافرت على إثباتها دلائل لا يتطرق إليها الشك، ألا وهي انه ومنذ مطلع عام 2008 قتلت ldquo;إسرائيلrdquo; 274 فلسطينياً من بينهم 50 طفلاً و18 امرأة، فكتب محررها يقول: ldquo;تشكل الدائرة المفرغة التي لا تتوقف أحداثها وردود أفعالها من الاغتيالات وصواريخ القسام شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية التي يكتوي بنارها وينوء تحت هول ويلاتها المدنيون من الجانبينrdquo;.

فهذا إذاً هو ديدن الإعلام ونهجه المتبع في مثل هذه الحالات في تغطيته للأحداث في هذا الجزء من العالم: فثمة مساواة بين الطرفين، وتلكم هي معادلة التوازن التي توخاها هذا الإعلام وارتضاها.

فإطلاق الصواريخ الفلسطينية التي يصنعها الاهالي في بيوتهم شكل من أشكال العقوبة الجماعية التي يمكن مقارنتها بما تقوم به ldquo;إسرائيلrdquo; من قتل جماعي للفلسطينيين بطائرات ldquo;الإف - 16rdquo; البالغة التطور، ومروحيات ldquo;الأباتشيrdquo; العسكرية المدججة بالمدافع، وأحدث طرز دبابات الميدان، هذا إلى جانب احتلالها غير المشروع وابتلاعها للأراضي الفلسطينية على مدى عقود من الزمن وسجنها لأكثر من 1،5 مليون انسان في سجن مفتوح يدعى غزة.

وقبلها بيوم كانت ldquo;الجارديانrdquo; قد أوردت تقريراً عن مقتل أربعة اطفال فلسطينيين في هجمات ldquo;إسرائيليةrdquo; فيما كانوا يلعبون ويلهون بكرة القدم. ومرة أخرى لا يلمس المرء في تناول الإعلام الغربي أي اثارة من تعاطف انساني بل يتم عرض مجرد وقائع:

ldquo;ويأتي سقوط القتلى اثر مصرع رضيع فلسطيني في الشهر السادس من عمره قتل مساء أمس عندما وسّعت ldquo;إسرائيلrdquo; من دائرة هجومها على غزة بعد مقتل ldquo;إسرائيليrdquo; في السابعة والأربعين من عمره نتيجة صاروخ أطلقته حماسrdquo;.

وأما عدد 3 مارس/آذار من ldquo;الصنداي تلغرافrdquo; فقد أورد على الأقل تفاصيل اضافية عن عدد القتلى، إذ ذكر ان ثلاث نساء فلسطينيات وتسعة أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 13 شهراً و17 سنة كانوا من بين القتلى. وقتلت امرأة كانت تعد الإفطار لأطفالها عند اصابتها بطلقات نارية من مدافع رشاشة. وقتلت فتاة وأصيب أخوها الرضيع اصابة خطرة أثناء مشاهدتها التلفاز، كما قتلت اختان عندما انهار عليهما سقف مطبخ بيتهما.

ولاحظت ldquo;الصنداي تايمزrdquo;، وبأسلوب لطيف، في خضم ردة فعلها تجاه تتابع الأحداث أن ldquo;المزيد من إراقة الدماء وإزهاق الأرواح يمكن ان يحرف محادثات السلام التي ترعاها أمريكا وتجري بين ldquo;إسرائيلrdquo; والفلسطينيين عن مسارها.

وعلى هذا المنوال، لم يتحرك لطبقات الساسة ساكن ولم يرف لهم جفن ولم يؤثر فيهم أبداً تصعيد ldquo;إسرائيلrdquo; للعنف بصورة مروعة، فسمعنا جوردون جوندرو، المتحدث باسم البيت الأبيض يبدي ملاحظة يقول فيها: ldquo;ثمة تمييز واضح بين هجمات الصواريخ الارهابية التي تستهدف المدنيين وعمليات الدفاع عن النفسrdquo;. وكل ما صنعته واشنطن هو مجرد حث ldquo;إسرائيلrdquo; على ldquo;التفكير بعواقب عملياتها العسكريةrdquo;.

وأما رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون فأضاف: ldquo;سوف تعني عملية القتل التي وقعت في القدس وستوضح بجلاء أن العالم بأسره سيتقد غضبه استفظاعاً لما حدث.. ومن الجلي أن هذه ما هي إلا محاولة لتسديد ضربة قاتلة إلى صميم عملية السلامrdquo;.

وربما كان لهذا السخط ما يبرره، إلا أن النقطة الجوهرية في الموضوع هي أن القوم لم ينبسوا ببنت شفة ولم يعلقوا ولو تعليقاً خجولاً فيما كانت رحى المذبحة المروعة في غزة تدور وتحرق الناس وتقطعهم إرباً، ولزم كل من بوش وبراون الصمت فلم يدينا تلك الفظائع ولا بكلمة.

ولكن ما أهمية مركز ldquo;هارافrdquo; التلمودي للصهيونية؟

مركز ldquo;هاراف بيشيفاrdquo;، ليس مدرسة دينية عادية، ولا كلية تخرج حاخامات الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; فحسب، بل هو معلم كبير وصرح عظيم من صروح الحركة الصهيونية الدينية ورمز اجتمع فيه تاريخ تأسيس دولة ldquo;إسرائيلrdquo; وتحقيق حلم الوطن القومي لليهود.

وكان الحاخام الأكبر راف افراهام كوك قد أسس المركز في عام 1924. وخرّج المعهد في سنواته الأولى القائد الأول لعصابة ldquo;الارغونrdquo; المتطرفة دافيد رازيل، ومؤسس صحيفة معاريف ldquo;الإسرائيليةrdquo; الشهيرة ldquo;إسرائيلrdquo; كارلباش.

لذا كان هذا المركز ولا يزال بؤرة لنخب المتطرفين من أبناء المستوطنين المتدينين المشبعين بالفكر الصهيوني المتعصب الذي يؤمن إيماناً أعمى بأن الضفة الغربية ما هي إلا يهودا والسامرة.

وكان الصحافي المقيم في ldquo;إسرائيلrdquo; جوناثان كوك، المراسل السابق لrdquo;الجارديانrdquo; وrdquo;الأوبزيرفرrdquo; قد بعث برسالة الكترونية إلى الميديا لينس ليسلط الأضواء على ان مركز هاراف إنما كان أسسه الحاخام ابراهام اسحق هاكوهين كوك، الذي كان أول من صهر الفكر القومي اليهودي للصهيونية باليهودية الارثوذكسية التقليدية. ونهض من بعده ابنه الحاخام تزيفي يهودا كوك بأعباء عمله وقام بعد عام 1967 بصياغة المبررات الأيديولوجية وتوفير الذرائع لحركة المستوطنين الدينية التي تحولت فيما بعد إلى حركة ldquo;غوش ايمونيمrdquo;، واشتملت مبتدعاته على الزعم بأن للمستوطنين الحق في استخدام العنف لأن الله ابتعثهم في مهمة ينبغي عليهم إنجازها. وعلق كوك على هذا بقوله: ldquo;سمحت هذه الصياغات العقائدية بتحويل مستوطني مركز هاراف إلى ميليشيات مسلحة شديدة التعصب، وأظهر هؤلاء على مر السنين استعداداً تاماً لإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين العزل وقتلهم بدم بارد.

وأضاف كوك: ldquo;بالنسبة لكثير من الفلسطينيين فإن المركز لا يعدو كونه ساحة تدريب وتعبئة وشحن عقائدي لميليشيات المستوطنين.

وينمّ وصف قتل ldquo;إسرائيلrdquo; في وقت سابق ل 125 فلسطينياً في غزة بأنه تصاعد للعنف بين ldquo;إسرائيلrdquo; والمقاتلين الفلسطينيين. بدل إعطاء الوصف الحقيقي له وهو أنه تصعيد للعنف ldquo;الإسرائيليrdquo; ضد الشعب الفلسطيني يشي هذا الوصف بتحيز مطلق طبع الإعلام الغربي بطابعه. ويفضح هذا الانحياز الكلي أكذوبة التوازن في التغطية الإعلامية لهذا الصراع المأساوي.