محمد خلفان الصوافي

نجحت إيران في التسويف والمماطلة لمدة سبع سنوات إلى أن أعلنت، مؤخراً، تقدماً عمليا في برنامجها النووي وبالتالي وضعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع.

هذه الأيام، هناك حديث، تدعمه إشارات واضحة، عن تراجع احتمالات الإدارة الأميركية بشأن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران خلال الأشهر المتبقية للرئيس بوش، وبدلاً من التساؤلات التقليدية عن توقيت الضربة العسكرية الأميركية، على اعتبار أن قرار توجيه الضربة قد تم اتخاذه فعلاً، فقد تحول السؤال إلى إمكانية وقوعها أساساً أم لا، حيث صرح الرئيس بوش يوم الجمعة الماضي لوسائل الإعلام بأنه لا ينوي مهاجمة إيران قبل مغادرته البيت الأبيض، بمعنى أن بوش لم يعد بنفس الحماس لضرب إيران.

تقديري لهذه التصريحات، أنها تشتمل على أكثر من تطور إيجابي بالنسبة لإيران التي تعاني ضغوطاً كبيرةً بشأن العديد من الملفات الإقليمية في لعبة الشد والجذب مع الولايات المتحدة ولعل أحد هذه التطورات، أنها تعطي النظام الإيراني الوقت الكافي quot;لالتقاط أنفاسهquot; وإعادة ترتيب أوراقه بشكل أكثر دقة، استعداداً لمواجهة جديدة مع خصمها التقليدي الولايات المتحدة حتى مع اختلاف الحزب الذي يحكم البيت الأبيض في واشنطن. إعلان بوش، يمكن النظر إليه أيضاً على أنه مساحة من الوقت وفرصة مناسبة كان النظام الإيراني يبحث عنها من أجل استكمال خطواته نحو الوصول إلى البرنامج النووي الذي بات يتشكل ويحقق إنجازات حقيقية على الأرض، وجاءت تلك التصريحات لتوفر ذلك الوقت فهذا أقصى ما تطمح إليه إيران في خلافاتها الدولية.

بالحساب، الوقت المعطى للنظام الإيراني يقارب العامين، الرئيس بوش عشرة أشهر كاملة وبلا شك فإن الرئيس القادم يحتاج من الوقت ما لا يقل عن عام كي يرتب أولوياته، وبالتالي يدخل في صراع مع الملفات الخارجية والملف الإيراني تحديداً، ما يعني أن هناك حوالي عامين للنظام الإيراني كي يعيد ترتيب أوراقه الاستراتيجية، خاصة في المنطقة العربية، وهذا سيعزز موقف طهران في الجولة القادمة من الصراع. إيران لا تحتاج إلى كل ذلك الوقت باعتبار أن وتيرتها في تحقيق برنامجها النووي أسرع من وتيرة التحرك الأميركي في إيقافه وبالتالي لن يكون أمراً مستبعداً أن تصل إيران إلى نهاية دورتها في الملفات المتعلقة بالخلاف مع المجتمع الدولي.

يتضح من الصراع الأميركي الإيراني وكأن الجانبين يؤديان أدواراً مبرمجة في كل مرحلة من مراحل خلافاتهما المتعددة، ففي الوقت الذي تتقدم فيه إيران باطراد في تطوير ملفها النووي، وغيرها من الملفات الإقليمية، نجد الرئيس بوش يعلن تراجع احتمال توجيه ضربة عسكرية، ونجد تسريبات إعلامية عن وجود قنوات اتصال خلفية.

إذا كانت مقولة quot;كل الخيارات مطروحةquot; التي يرددها الرئيس بوش بشكل متكرر، فإن أحد هذه الخيارات ربما إتاحة الوقت لإيران كي تعزز قدرتها على الثبات والثقة في النفس بما حققته، وبعدها سيجد العالم نفسه مضطراً للاعتراف بواقع quot;إيران الجديدquot;، بما في ذلك قدراتها النووية وسيطرتها على المنطقة، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق وكلائها، ما يصعّب الأمر في اتخاذ أي قرار أو حتى التفكير في مواجهة عسكرية ضدها، لأن مجرد التفكير في ذلك يعني مسألة كارثية.

تصريحات الرئيس الأميركي ستعطي الثقة للنظام الإيراني في أن الإدارة الأميركية فشلت في اللجوء إلى العمل العسكري لإجهاض طموحاته النووية، وستتحرر إيران من الضغوط الدولية الممارسة عليها حالياً، ما يعني أنها ستسمح لها بتطوير أساليب مقاومة تلك الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية مستقبلاً.

ومن المعروف أن العلاقة بين واشنطن وطهران علاقة شديدة التعقيد والغموض منذ عام 1979، وخوفنا أن تكون الأزمة الحالية التي بدأت بمجيء الرئيس بوش انتهت لصالح إيران، لاسيما أن بعض الخبراء الغربيين يرون أن الصراع داخل الحلبة انتهى بالفعل لمصلحة إيران، وبات الحديث يدور الآن بين المحللين الأميركيين أنفسهم عن فرص quot;التفاهمquot;، بل إن هناك تسريبات تشير إلى ذوبان قدر كبير من الجليد في العلاقة مع إيران، وأن الجليد المتبقي ينتظر استقبال الإدارة الأميركية الجديدة.