بيروت - ثريا شاهين

يحض أكثر من مسؤول عربي وغربي اللبنانيين على عدم ترك الأوضاع الداخلية على ما هي والركون الى الحال الراهنة ذلك ان استمرار المحاولات لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي يجب ان تبقى أولوية لديهم للخروج من المأزِق الحالي.
وتبدي أوساط وزارية بارزة اكثر من علامة استفهام حول ما اذا كان سيجري ربط الحوار بين اللبنانيين، بانعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب الذي تطالب به الحكومة اللبنانية، بعدما علّق البحث بالاثنين معاً، تمهيداً لإعادة التحرك في إطار ما تقتضيه الأولوية العربية ـ الدولية، وهي انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وثمة مشاورات تجري بعيداً من الأضواء لتقييم كل الحركة التي حصلت بعد القمة العربية، على مستوى حل الأزمة اللبنانية، تتركز على امكان أن يُربط الحوار ذو الأسس الواضحة بالاجتماع الوزاري العربي، أو بمبادرة، ليس فقط عربية هذه المرة، بل عربية ـ أوروبية، يكون أساسها المبادرة العربية. اذ ان هنالك حرصاً شديداً على إبقاء المبادرة العربية أساساً لأي تحرك مرتقب، وتبعاً لذلك، لن تتبلور أي معطيات ايجابية لحوار داخلي، الا وفقاً لمبدأ تكريسه برئاسة رئيس الجمهورية العتيد، أو برعاية جامعة الدول العربية.
إذ إنه استناداً الى الأوساط الوزارية، لن يرأس رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوار اللبناني ـ اللبناني، ومن الأفكار المطروحة ان الاستعدادات العربية والجهوزية حاضرة لدعم الحوار وفقاً لهذه الأسس والمعايير في الوقت المناسب، وانه لدى الدول المهتمة رأياً يقول بعدم الرغبة في التطفل على دور الأمين العام للجامعة عمرو موسى، لكن مع تأييد كبير لأي مسعى يكون داعماً أو يرتكز أو يبلور اضافات معينة الى المبادرة العربية، أو يزخم تنفيذها.
انتخاب الرئيس يذلل العقبات
هذا المناخ يُنتظر ان يظهر، وهو ناشئ من التساؤلات على المستويين الداخلي والخارجي عن طبيعة التطورات اللاحقة بالنسبة الى جهود حل الأزمة.
ففي اعتقاد القادة في المملكة العربية السعودية، ومصر، ان انتخاب رئيس للجمهورية يذلل كل النقاط المعقدة من هنا يكتسب انتخابه أولوية في الحل، ولا تزال كل من الرياض والقاهرة في هذا المنحى تصطدم بالتصلب السوري، حيث لم تكن دمشق لتتوقع ان يتسم الموقف السعودي ـ المصري المشترك بالحزم حيال هذه الأولوية، حيث حمل موقفهما اشارة واضحة الى المسؤولية عن عرقلة الحل وتسهيله.
وقد بات جلياً لدى الدول العربية والغربية معاً، ان المشروع الذي يواجهه لبنان يتجاوز الطموحات السورية، لينخرط في الاستراتيجية الايرانية. وهذا ما تقرأه هذه الدول التي بدأت تنظر الى الموقف السوري كملحق.
وهي ترى ان المشروع الذي يواجهه لبنان يتبلور وفقاً لمحورين. الأول، كسب الوقت المناط ببرّي، والثاني تثبيت وقائع استراتيجية جديدة في لبنان، وهذا منوط بـquot;حزب اللهquot;، عبر الاستفادة من لعبة الوقت لتكريس وجوده على الأرض، وتثبيت هذه الاستراتيجية. يساعده في ذلك السلاح والمال. وسط تساؤلات عن المصير السياسي لرئيس تكتل quot;التغيير والإصلاحquot; النائب ميشال عون. ويختلف التقييم الأميركي عن العربي خصوصاً لجهة ان سوريا ليست مستعدة لترك لبنان يُحيي مؤسساته الدستورية في القريب العاجل.
وبالتالي، وعلى الرغم من وجود حرص لدى الأفرقاء على منع الانفجار الداخلي في البلاد، فإنّ هناك اتجاهاً عربياً ـ دولياً لتنفيذ quot;الخطة بquot;، والتي تتمثل بدعم الحكومة اللبنانية ودعم الاقتصاد والوضع المالي، ودعم الجيش اللبناني. وهو رهان ثلاثي العناصر، في انتظار انفراج ما للوضع اللبناني. وكلما مرّ الوقت الذي تراوح فيه العرقلة مكانها، ترسخ في الذهن العربي والأوروبي والفرنسي تحديداً، ان محاولات الانفتاح للتعاون مع النظام في دمشق تبقى من دون جدوى، وأن هناك تبعية لإيران غير محدودة الأفق.
وعلى الرغم من الرهانات التي في غير محلها، على الإدارة الأميركية الجديدة، من جانب دمشق وإيران، بغية إبقاء الوضع اللبناني على حاله، فإنّ الأوساط لا تستبعد إمكان حصول اختراق يؤدي إلى حل الأزمة الرئاسية. وهذا الاختراق، قد يأتي من جراء احتمالات عدة في مقدمها: بلورة المناخ الداخلي في دمشق، حصول تقدم معين على مستوى المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية أو المفاوضات غير المعلنة السورية ـ الإسرائيلية، انفجار أو انفراج في الموضوع الأميركي ـ الايراني، أو أنه تحت استمرار الضغط الدولي في تداعيات المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحيث يُترك لبنان ليسير في انتخابات الرئاسة من دون عراقيل، ثم في ما خصّ انعكاسات مؤتمر موسكو للسلام في المنطقة الذي تعدّ روسيا لعقده في منتصف حزيران المقبل، وهو منبثق من مؤتمر انابوليس، ويعني بكل المسارات مع إسرائيل، اللبناني والسوري والفلسطيني.
التمديد للمجلس ورئيسه
وليس بالضرورة أن يؤدي وجود إدارة جديدة في واشنطن مطلع السنة المقبلة، إلى حل حتمي في لبنان. فالأولوية لديها ستكون في العمل لإعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي. أما على المستوى الخارجي، فسيلزم الإدارة نحو سبعة أو ثمانية أشهر لتحديد أولوياتها، وبالتالي سيتم ذلك بعد انتهاء ولاية المجلس النيابي اللبناني.
وتقول الأوساط ان هناك مَن يسمع أجواء مناهضة للتمديد للمجلس النيابي لولاية جديدة إذا ما استمر حلّ الأزمة متعثراً حتى ذلك التاريخ، كما أن هناك مَن يسمع شروطاً بضرورة ان يتم التوازي بين التمديد للمجلس والتمديد لرئيسه، بحيث يبرز تخوّف المعارضة من ان الأكثرية النيابية ليست في فريق برّي لتأمين انتخابه مجدداً، كما تتخوف من ألا تعيد الأكثرية انتخابه رئيساً للمجلس لدى تمديد الولاية، ذلك ان الأكثرية ستعيد حساباتها في هذا الخيار ولن تسمح لنفسها بتكرار أخطاء ما كانت تتوقع أن يتحوّل تمسكها بمبدأ المشاركة إلى خطأ سياسي.
كما أنه في المقابل، لا يمكن للاقليميين ان يراهنوا على الحكم الجديد في الولايات المتحدة، فكيف تركز اللاديموقراطيات خياراتها على الخيارات الديموقراطية لدى الآخرين؟