جهاد المحيسن
شكلت خسارة العلمانيين في الانتخابات التركية الأخيرة مدخلا واسعا لهم للتباكي على مستقبل العلمانية في بلادهم، وإثر فوز حزب العدالة ذي الأصول الإسلامية برئاسة الوزراء وكرسي الرئاسة، لم يترك العلمانيون مجالا لعرقلة مسيرة الحزب الحاكم في محاولة للحد من صلاحياته، فهم يسيطرون quot;العلمانيونquot; على المؤسسات العسكرية والتعليمية والقضائية. وفي الصراع الذي فرضت شروطه المعارضة التركية المتباكية على مستقبل دولة اتتورك التي كفلها الدستور التركي منذ عشرينيات القرن الماضي قبلت تركيا ذات الأغلبية السكانية المسلمة مبدأ العلمانية في العشرينيات من القرن الماضي. ودخلت تركيا في أزمة سياسية منذ أن طلب المدعي العام في الشهر الماضي من المحكمة الدستورية إغلاق حزب العدالة والتنمية ومنع زعماءه بمن فيهم اردوغان من ممارسة أنشطة سياسية لمدة خمس سنوات.
وحسبما تشير المحكمة التركية إلى أن القضية ستستغرق بين ستة وسبعة أشهر، مما يثير احتمال استمرار عدم الاستقرار السياسي لفترة طويلة. وفي محاولة اردوغان للرد على خصومه السياسيين حول مستقبل العلمانية التركية أشار إلى أنه لا حاجة إلى التصويت على العلمانية في تركيا. ولا يشك أحد في أن أمتنا تؤيد العلمانية سوى دينيز بايكال زعيم حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري. الأمر الذي يسقط حجج حزب المعارضة الرئيسية حول علمانية الدولة التركية التي مارست انتهاكات دستورية خطيرة استدعت تدخل المحكمة الدستورية والجيش بدعم شعبي في عام 1997 على الخروج من السلطة وفرضت عليه نفس المحكمة الدستورية حظرا في وقت لاحق بسبب أنشطة مناهضة للعلمانية.
ويرفض حزب العدالة هذه الاتهامات ويؤكد أن أسبابا سياسية وراء هذه الشكوى. ويؤكد أنه ابتعد عن الإسلام السياسي ويعتبر نفسه حزبا quot;ديموقراطيا محافظاquot;. أما الأوساط المؤيدة للعلمانية والنافذة جدا في صفوف الجيش والقضاء وبعض الإدارات فتتهم الحزب الحاكم بأنه يريد سراً أسلمة البلاد التي يدين 99% من سكانها بالإسلام ولكنها تعتمد نظاما علمانيا.
وقد يهدد هذا الإجراء الذي اتخذ ضد حزب الحاكم في تركيا الاستقرار السياسي في البلاد ويضر بمفاوضاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي تتقدم ببطء شديد منذ إطلاقها, الأمر الذي استدعى دعوة المفوضية الأوروبية القضاء التركي إلى الأخذ في الاعتبار مصلحة البلاد على المدى الطويل. وبموجب هذه المفاوضات وquot;في حال سجلت انتهاكات خطيرة للمبادئ الديموقراطيةquot; في تركيا quot;ستضطر المفوضية إلى درس آثارها على سير هذه المفاوضاتquot;. ولتجنب مثل هذا الإجراء أعد حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على البرلمان التركي على عجل مشروعا لمراجعة الدستور سيجعل من عملية حظر الأحزاب أكثر صعوبة.
والجديد في الوضع الناشئ في تركيا الآن أنه بعد أن كانت القاعدة السائدة هي الإطاحة بالحزب الحاكم عبر الانقلاب العسكري، تحولت بفضل ترسخ المبادئ الديموقراطية في الحياة السياسية إلى استخدام القضاء لإحداث الانقلاب السياسي في البلاد، وبالتالي توفير الظروف لخوض معركة سياسية, الغلبة فيها ستكون ليس للسلاح، بل للقانون.
وتذهب المؤشرات والوقائع إلى أن تركيا تقف أمام مفترق طرق يعيد صوغ مبادئ الميثاق الذي يحكم العلاقات بين القوى السياسية على خلفية وجود العدالة والتنمية في الحكم ومعارضة القوى العلمانية المتشددة، ويشر المحللون الأتراك أن أمام اردوغان وحزبه فرصة تاريخية للتخلص نهائيا من ذهنية جمعية الاتحاد والترقي، التي حكمت تركيا للفترة 1909-1918 إلى أن انتهت مع سقوط الإمبروطورية العثمانية.
التعليقات