خيري منصور
وصفت صحيفة أمريكية الرئيس الأسبق جيمي كارتر بالأبله، وقالت إن مهمته التي زار من أجلها فلسطين وسوريا والأردن ومصر هي مهمة بلهاء. وقد جاء هذا الموقف في سياق حملة أمريكية ذات حمولة صهيونية ضد كارتر، وهذه المواقف أقدم من زيارة الرجل إلى المنطقة، ولقائه خالد مشعل في دمشق، فقد قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن إثر صدور كتابه عن الفصل العنصري في ldquo;إسرائيلrdquo; ومقارنة ما يجري فيها بالتمييز العنصري في جنوب إفريقيا قبل أن تنقلب المعادلة ويصبح السجين حراً وبالتالي رئيساً لبلاده.
ولو كان نيلسون مانديلا نفسه قد قال ما قاله كارتر لسارع حراس الجدار العازل سواء كان من حديد واسمنت أو من شرايين متصلبة في الدماغ إلى إدانته.
كارتر هو الاسم الأمريكي الذي اقترن إلى الأبد بأول معاهدة سلام عربية صهيونية، وكان بطل كامب ديفيد الذي نال جائزة نوبل مكافأة له على تلك المهمة التي أنجزها، لكنه ما أن غادر المسرح حتى ذهبت وعوده للسادات سدى.
كارتر الآن خارج البيت الأبيض، بل خارج البيوت البيض كلها، لأنه قرر على ما يبدو أن يختتم فصول سيرته الذاتية بمواقف أخلاقية تجعله أكثر انسجاماً مع نفسه واطروحاته الشهيرة عن حقوق الإنسان منذ تولى الرئاسة للمرة الأولى.
لكن المثير في هذه الحملة على كارتر لأنه زار دمشق والتقى زعيماً فلسطينياً مصنفاً في قائمة الإرهاب هو خالد مشعل، هو أن نائب رئيس وزراء الدولة العبرية صرح بأنه مستعد للالتقاء بقادة حماس والتفاوض معهم بشأن أسير، أوشك ان يتحول إلى درايفوس جديد.
درايفوس المجند اليهودي في الجيش الفرنسي اتهم بالخيانة، وانتهت حكايته إلى علامة فارقة في الجمهورية الفرنسية الثالثة، وهناك مؤرخون فرنسيون يقولون إن مفهوم المثقف والسلطة لم يتبلور إلا بعد تلك الواقعة التي كان درايفوس بطلها.
والأسير الذي يضع أولمرت صورته على مكتبه، أوشك هو الآخر أن يتحول إلى علامة فارقة في العقد السادس من عمر الدولة العبرية، وتلك حكاية لها مقام آخر.
ما الذي قاله كارتر كي يعاقب بوصفه رجلاً غبياً، وتوصف مهمته بأنها بلهاء؟
هل كان عليه أن يتحول إلى ببغاء عجوز تردد أصداء ما يصدر عن بوش والزمرة التي تعزف له طوال الوقت كي يرقص رقصته الخرقاء ويستخفه الطرب فيشن حرباً ثالثة في الشرق الأوسط؟
إن الإرهاب الرسمي والذي يستحق بالفعل ان تعلن البشرية الحرب عليه هو الإرهاب الصهيوني، وأدواته من اليمين المحافظ في الولايات المتحدة، بعد أن تطابقت الأجندتان في تل أبيب وواشنطن بحيث أصبحتا محيطاً استراتيجياً واحداً لدائرتين لهما مركز واحد.
ممنوع على كارتر ومانديلا وكوفي أنان وكل من تسول له نفسه أن يفتح فمه بغير كلمة نعم أن يعترض على قرارات تل أبيب الممهورة بتوقيع أحمر في واشنطن، لأن المطلوب من العالم كله حسب تعاليم اسبارطة الحديثة أن ينفذ ثم ينفذ ولا يحق له أن يناقش.
لأن هناك من يفكرون نيابة عنه وقد استمدوا العصمة من إلهام سماوي يأتيهم في صباحات السبت والأحد.. رغم أن الجمعة الحزينة تنسف هذه المزاعم من جذورها.
إن الرجل الأبله وصاحب المهمة البلهاء هو الامبراطور الأخير، الذي يقطع مسافات هائلة ليشارك القتلة والمستوطنين والقراصنة الجدد في عيد ميلادهم الستين.
التعليقات