جمال أحمد خاشقجي

إنها صورة الصفحة الأولى بـquot;الوطنquot; أمس، وصورة الأولى اليوم.
صورة أمس كانت لخادم الحرمين الشريفين يدخل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بمكة المكرمة ممسكا بيمينه مرجع السلفية وكبير علمائها فضيلة مفتي البلاد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وباليسرى بيد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية سابقا، ورئيس مجلس مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني. بدا الملك عبدالله وكأنه quot;العامل المشتركquot; بين الطرفين، ملغيا بطاقته الإيجابية تاريخا من الخلاف والتوجس بين التيارين، دون أن يلغي الحق في الاختلاف وهو ما صرح به سماحة المفتي لاحقا في كلمته الضافية، فعندما نقبل جميعا الآخر على أساس حق الاختلاف والقبول بالتعددية مع بقاء كل طرف موقنا بما هو عليه من quot;الحقquot; نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في إزالة فجوة الاختلاف، وبنينا جسرا يمر من عليه حسن الظن والتعاون.
نحن في السعودية سلفيون، ونفخر بذلك، وعلى منهج السلف الصالح قامت الدولة، ومن منهج السلف التسامح، وقبول الآخر دون أي تنازل في التبليغ والتصريح بما نعتقده من حق، بل حتى نشره والدعوة إليه، ولم تنتشر الدعوة السلفية التصحيحية في الأرض إلا بفضل من الله ثم ببذل وجهد قادة هذه البلاد منذ زمن الملك المؤسس وأبنائه من بعده، دون أن يشوب الدعوة غلو ولا إلغاء للآخر إلا على يد من حول السلفية من مذهب جامع إلى حزب مفرق في بدعة لم تكن إلا في العقود الأخيرة.
ولنعد إلى سيرة الملك عبدالعزيز رحمه الله فنجد مجلسه موئلا لكل مسلم من أصقاع الأرض، لا يسأله عن مذهبه واعتقاده، فلا يلبث هذا أن يقترب من الدعوة التي جاءته في سماحة، وبالتالي فما يدعو إليه خادم الحرمين الشريفين اليوم ويفعله ويقود إليه، هو استمرار لتلك السيرة والتي هي استمرار لمنهج الرسالة التي هي quot;رحمة للعالمينquot;.
في صورة الأمس، لم يقل الملك - حفظه الله - شيئاً في مسألة quot;الشيعة والسنةquot; والتي مر من تحت جسرها الكثير من الخلاف بل حتى الكراهية، ولكن أعيدوا النظر إليها، وتأملوا في قبضتي يديه وهما تمسكان بالشيخين، لقد قال الكثير.
* * * *
الصورة الثانية هي المنشورة في الصفحة الأولى اليوم، إنها لسمو ولي العهد الأمير سلطان وهو يصل في زيارة رسمية إلى إسبانيا، إنني متأكد أن المواطن السعودي سيتأمل الصورة ملياً، ليس بحثا عن الاتفاقيات التي ستوقع، ولا المحادثات التي ستجرى، ولا العلاقات والمصالح التي ستفيده هو وقضاياه، الخبر الذي يبحث عنه هو صحة سمو ولي العهد، فلهذا الرجل دفء يطمئن المواطن السعودي، وقد ارتبط بينه وبين quot;الخيرquot; علاقة لذلك يتفاءل الرأي العام السعودي بابتسامته الشهيرة.
ها هو سمو ولي العهد، إنه بخير بعد إجازته، يستأنف نشاطه في خدمة بلاده، شريكا لمليك البلاد في السعي في نهضة البلاد وعزتها، سيوقع اتفاقيات دفاعية مع الإسبان معززا بها جيش البلاد، ستشمل المفاوضات إشراك قطاع الأعمال الإسباني في الاستثمار في المملكة من أجل مصانع أكثر فوظائف أكثر للمواطن. سيدعم دور خادم الحرمين في الدعوة للحوار بين الإسلام والغرب، فإسبانيا دولة عريقة في تدينها الكاثوليكي ولكن لها جذوراً حضارية إسلامية، فيمكن لهذا الواقع أن يجعلها جسرا موصلا للحوار، مثلما أن المملكة دولة عصرية، صديقة للغرب، ولكنها في موقع قيادي وسط عالمها العربي والإسلامي، وصاحبة مبادرات، ما يفسر هذه العلاقات المتميزة بين البلدين، حيث ما إن يزر ملك إسبانيا المملكة حتى يستقبل بعد أسبوعين ولي عهد المملكة في بلاده، الذي يزورها ولما يكتمل الحول على زيارة تاريخية قام بها الملك عبدالله لها، لابد أن هناك شيئاً ما بين المملكتين يجعلهما تشتركان في المستقبل، مثلما اشتركتا يوما في التاريخ.