صالح سلمان عبدالعظيم
بالنظر لحجم الإجرام الإسرائيلي في غزة، والقتل المجاني لأبناء الشعب الفلسطيني، ماذا علينا أن نفعل بعيدا عن التوقعات، وعن التصريحات والشجب والإدانة واللقاءات والقمم العربية؟ ففي ظل القدرات الهائلة الإخبارية للقنوات الفضائية يصبح ما يحدث جزءا من حياتنا اليومية، في المنزل والعمل والمقهى والشارع وحتى أحلامنا السوداء.
صحيح أن الشعوب العربية تتفاوت في درجة إحساسها لما يحدث في غزة، لكن المرء لا يتصور عدم تأثر أي شعب من الشعوب العربية بالمجازر المتواصلة ضد الفلسطينيين. وتكمن خطورة ما نشاهده الآن وبشكل خاص في منازلنا وبين أطفالنا وأولادنا بغض النظر عن أعمارهم، هو ذلك الشعور بالتكبيل الذي يصيبنا جميعا بأن نرى إخواننا في غزة يذبحون بدم بارد ونحن لا نفعل شيئا، ولا نرد عنهم فتيلا.
علينا بداية أن نثق في أنفسنا، كما نثق في جدوى مشاعرنا تجاه ما يحدث في غزة. فالمشاعر الجياشة الهادرة التي اندلعت في الكثير من العواصم العربية المهتمة بما يحدث، والتي لديها درجة كبيرة من الوعي بما يحدث في المركز العربي، تؤكد على عروبة المنطقة ورغبتها في الحياة بكرامة وإباء.
فمن كان يصدق تلك السرعة التي اندلعت بها هذه المظاهرات في مصر والأردن والمغرب والسودان وموريتانيا والبحرين وغيرها من المدن العربية والغربية على السواء. لكن المهم هو الكيفية التي يتم بها الحفاظ على هذا الزخم العربي في مواجهة النازية الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق يجب أن تقوم المواقع العربية الفردية بدور كبير في فضح المؤامرات ضد الشعب الفلسطيني. علينا في هذا الوقت بالذات أن ننسى مجلس الأمن وأميركا وأوروبا. فلم تكن إسرائيل تستطيع أن تصل إلى ما وصلت إليه من عدوان وقتل وإجرام لولا الموافقة من البعض على منحها غطاء وقبولا وموافقة مسبقة.
إضافة إلى ذلك لابد أن تؤكد هذه المواقع على ضرورة نبذ الفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني والعودة بأي شكل من الأشكال للحوار وتأكيد الوحدة الوطنية.
كما أنه من الضروري هنا عدم جر الشارع العربي لقضايا الفرقة والشقاق. من الضروري تجنب إثارة النعرات الوطنية والدينية التي تزيد التفكك العربي الشعبي، والتأكيد على أن الجميع في قارب واحد ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم.
كما أنه من الضروري أن يقوم المثقفون ورجال الدين وأساتذة الجامعات على كافة مشاربهم وانتماءاتهم الأيديولوجية بتنظيم المؤتمرات الحاشدة التي يمكن من خلالها الحفاظ على حالة الزخم الشعبي ضد إسرائيل.
إن الضغط الشعبي العربي الذي لم يكن يتوقعه أحد بمثل هذه السرعة وهذه الحدة وهذا التواصل يمكن أن يلعب دورا مهما في تحريك القرارات العربية السريعة المساعدة على وقف العدوان وتقديم المساعدات الفورية للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
كما أن استمرار مؤتمرات المناصرة لأبناء الشعب الفلسطيني المحاصرين في غزة يلعب دورا كبيرا في تأمين غطاء نفسي متواصل يساعد على دعم صمود الفلسطينيين في الداخل، ويمثل عامل ضغط نحو تغيير بعض الجهات لاستراتيجيتها المهادنة لأميركا وإسرائيل والتحول نحو مساعدة أبناء الشعب الفلسطيني، ورفض حصاره.
إضافة إلى ذلك يجب أن تبدأ جامعة الدول العربية حملة تبرعات عربية شاملة يتم من خلالها توفير كافة وسائل الدعم للفلسطينيين في غزة. فالمسألة لا تتعلق بما يحدث الآن، لكنها تتعلق بضرورة إعادة بناء غزة على الفور بعد نهاية العدوان. فهزيمة العدو مسألة لا تتعلق فقط بالصمود والمقاومة لكنها تتعلق أيضا بإعادة البناء والتعمير. وربما تكون هذه دعوة عامة للسيد عمرو موسى وجامعته الكريمة من أجل إيجاد آلية عربية شاملة ومنظمة يمكن من خلالها توفير كافة الإمكانيات من أجل إعادة بناء غزة.
وبالنظر للأطفال والمراهقين الذين يتحولقون حول شاشات الفضائيات والذين بلا شك يطالعون حالة الأسى والتذمر والغضب في عيون أهاليهم لا بد من بث مشاعر الوطنية فيهم والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في الحياة وصمود أبطاله ضد العدوان الإسرائيلي.
فمن الظلم أن يترك الآباء أبناءهم بدون أن يستثمروا الموقف الراهن في تعميق الكراهية لإسرائيل وأميركا وتنمية الوعي والحس الوطني لديهم. وعلى الآباء في هذا السياق مناقشة ما يحدث أمام أبنائهم بدرجة كبيرة من الحرفية التي يتم من خلالها توضيح الصورة المشرفة للشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود طويلة من الزمان جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم.
لا يجب أن نترك أبناءنا هكذا يطالعون شاشات التليفزيون وهم حيارى تجاه مشاهد القتل والتدمير، بل يجب شرح ما يحدث لهم، والعمل على تنمية وعيهم الوطني القائم على كون إسرائيل كيانا عدوانيا غريبا على المنطقة قائما على السلب والنهب والعدوانية.
إن الحالة الشعبية الراهنة مناسبة مهمة وحافلة بالمشاعر الطيبة التي يجب استثمارها من أجل قلب الطاولة على رأس الإسرائيليين الصهاينة النازيين وإعادة الحياة لمدينة الكرامة laquo;غزةraquo;.
- آخر تحديث :
التعليقات