ممدوح طه
من الطبيعي أن تختلف الرؤى والمواقف السياسية من أي قضية، سواء بين أطراف الأمة الواحدة أو الوطن الواحد أو حتى داخل الحزب الواحد في الوطن الواحد، تبعا لاختلاف الاجتهادات الفكرية أو الانتماءات السياسية أو الارتباطات الإقليمية أو الدولية، وأخيرا لتباين الظروف الموضوعية لكل طرف، ولاختلاف درجات القدرات الذاتية لقيادة كل طرف، خاصة تجاه القضايا المصيرية، التي يتطلب اتخاذ المواقف فيها دقة الحسابات وكلفة أي موقف.
ومع اختلاف الرؤى والمواقف يبقى هناك دائما عدد من القواسم المشتركة جديرة ببلورتها والبناء عليها وعدم إهدارها بفعل الخلافات، وعدد من نقاط الخلاف أو الاختلاف جديرة بالحوار حولها بين المختلفين وصولا إلى توسيع مساحات الاتفاق، مع انتقال كل طرف إلى موقع الطرف الآخر، والتفهم الصحيح من كل طرف لكل طرف، بعيدا عن الاتهامات الجاهزة بسبب الخلافات المسبقة أو الناتجة عن سوء الفهم أو عدم وضوح الحقائق نتيجة القطيعة أو غياب الثقة..
نقول ذلك، بينما ما جرى ضد الشعب الفلسطيني في غزة من حصار صهيوني لا إنساني ظالم يشكل جريمة ضد الإنسانية بـ laquo;العقاب الجماعيraquo;، وهو الذي زاد في فترة ما يسمى بـ laquo;التهدئةraquo; التي أنهتها إسرائيل بانتهاكاتها الدموية، فأدى إلى اختلاف المواقف العربية.
وبينما ما يجري من عدوان إرهابي إسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة تحت سمع وبصر العرب والعالم دون ردع، والذي يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بـ laquo;الإبادة الجماعيةraquo; بما يفوق المحرقة النازية، فأدى إلى انحراف البوصلة السياسية بتبادل الاتهامات وتوزيع المسؤوليات بين العرب والعرب، لا بين العرب وإسرائيل!
والواضح أن المشكلة الكبرى التي تعوق الوصول إلى رؤية عربية مشتركة إزاء ما يجب على العرب فعله وقفا للعدوان أو تصديا له، ورفعا للحصار أو كسرا له حماية للشعب الفلسطيني من إجرام الحصار وإرهاب العدوان الصهيو أميركي، هي المحاور العلنية والمستترة التي تقسم العرب نتيجة الخلافات المسبقة أو نتيجة الارتهان إلى أجندات دولية أو إقليمية بما يفيد عدو كل العرب.
وهو ما تجلى في تأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب بينما كان الموقف الخطير يتطلب فوريته، وتباين المواقف من الدعوة القطرية لعقد القمة العربية، بينما هذا الموقف الطارئ يتطلب قمة طارئة لا تكتفي بالبيانات بل بالإجراءات!!
وليس أدل على ذلك من اجتماع وزراء خارجية laquo;الاتحاد الأوروبيraquo; لبحث الموقف في غزة (الثلاثاء)، قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب (الأربعاء) لبحث الموقف من العدوان الصهيوني، وفيما دعت القمة الخليجية التي اختتمت الثلاثاء في مسقط إلى التحرك الدولي لوقف laquo;آلة القتل الإسرائيليةraquo; في غزة، فليس هناك قرار عربي جماعي حول ضرورة عقد قمة عربية طارئة للتعامل مع الأزمة.
ومع ذلك، وبرغم الضجيج الإعلامي والسياسي غير المسؤول الذي يركز معاركه مع الأشقاء أكثر مما يركزها مع الأعداء، فإن نقاط الاتفاق في المواقف العربية المختلفة تبقى أكبر كثيرا من نقاط الخلاف، ونقاط العداء للعدو تبقى أكثر كثيرا من نقاط الجفاء للشقيق، حتى على مستوى النظام الرسمي العربي..
فكل الكلمات والبيانات تشير إلى أن هناك مساحة اتفاق أكبر من مساحة الخلاف، وتبقى ترجمة الأقوال إلى أفعال، وفي مواجهة عدوان عدو كل شعوب العرب لا ينتظر من عربي رسمي أو شعبي أو إعلامي القبول بانحراف البوصلة العربية بتأجيج الخلافات، أكثر من العمل على تجميع نقاط الوفاق لبلورة موقف عربي موحد.،. نقول laquo;موحدraquo; وليس واحدا.
التعليقات