صالح الأشقر
كانت بداية الأسبوع الماضي بداية quot;الجحيمquot; في غزة، ويعلم الله متى النهاية وكيف ستكون هذه النهاية على quot;حماسquot; بصفة خاصة والقضية بصفة عامة بعد تضاعف مئات القتلى وآلاف الجرحى في الوقت الذي اكتفت أمة العرب والعالم على التفرج وبخجل مريب.
وكان من الطبيعي ومنذ شهور ان يشهد قطاع غزة المذبحة الجارية الآن ورغم ذلك ظلت قيادة quot;حماسquot; وقيادة quot;فتحquot; تخوضا حرباً إعلامية مؤلمة وخبيثة وجارحة ضد بعضهما البعض وكأن تفوق إحداهما على الأخرى قضية القضايا الفلسطينية.
حركة quot;حماسquot; المنكوبة جاءت بأفكارها وطموحاتها اللامحدودة في الوقت الفلسطيني التائه والوقت العربي الضائع، بل والوقت العربي شبه الميت وفي وقت النقمة العالمية على كل ما له صلة بالإسلام منذ سنوات يشارك في هذه النقمة على الإسلام غالبية قادة الدول الإسلامية.
وفي ظل هذه الأوضاع الإسلامية التي لم يعرف لها الإسلام مثيلاً عبر تاريخه الطويل، لست أفهم كيف حسبتها quot;حماسquot; حتى تقع في الفخ الذي نصب لها منذ وقت طويل.
وكان من الطبيعي أيضا ان يساعد وقوع quot;حماسquot; في الفخ الذي نصب لها ووقعت فيه قبل نهاية عام 2008 بعدة أيام ذلك الفخ الذي تمنت العديد من الأطراف الاقليمية والدولية وقوع quot;حماسquot; في شباكه.
وليس هناك شك في أن quot;حماسquot; قبل غيرها تعلم جيداً أنه منذ أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الحرب على الإرهاب أن هذه الحرب مع الأسف تحولت إلى حملة حرب إسرائيلية غربية شاملة يشارك في هذه الحملة بعض قادة العرب والدول الإسلامية مما أفرز وضعا خطيراً جداً يتمثل في مواجهات دامية بين جماعات إسلامية وشعوب عربية واسلامية من جهة ضد هذه الحملة الشاملة والظالمة.
ورغم الظروف المعقدة حول عنق حركة quot;حماسquot; في قطاع غزة المحاصر من جميع الجهات بالاعداء والخصوم والاشقاء، وفوق كل ذلك المساحة المحدودة جغرافياً والمكتظة بالسكان العزل.. إلا أن الحركة ظلت ترفع السياسة القيادية بيد وباليد الأخرى سيف المقاومة المسلحة مما يجعل من الصعب جداً على أية حركة الاستمرار والوصول إلى أهداف الشعب الفلسطيني المكافح.
وفي ظل التطورات الأخيرة يتردد على الذهن سؤال مهم وهو: هل كان في الإمكان ان تؤدي سياستان مختلفتان لفريق الخندق الواحد والمستقبل الواحد والمصير الواحد.. الأولى تنتهج أسلوب المواجهة وتتمسك به ودون حساب دقيق لمخاطر مثل هذه المواجهة وفي ظل أجواء سياسية غير مهينة.. في حين ينتهج الفريق الآخر أسلوب المهادنة المبالغ فيها تجاه قضيته ومصيره لدرجة أوصلت الفريقين إلى الخصام العميق وفقدان الكثير..
ونتساءل بحزن شديد متى كانت السياسة الناجحة تتسم بالغرور والتباهي بالمقدرة الفائقة على الخصم عسكرياً ودبلوماسياً.. أليست السياسة أم الخدع منذ وجدت؟.. بمعنى أن السياسة مجردة من العواطف والعنتريات وهي في نفس الوقت فن الممكن والتضحيات بعيداً عن الانفعال لأن الانفعال يؤدي إلى الوقوع في المطبات السياسية القاتلة.
يبدو ان الاجابة على هذه التساؤلات الحزينة تكمن في الركون والتعويل الحماسي على الغضب الجماهيري العربي والإسلامي وربما العالمي على العدوان الإسرائيلي، ولكن وماذا بعد هذا الغضب إذا كان ثمنه دماء الآلاف من قيادات وأبناء غزة المحاصرة؟
دائماً وأبداً الانفعال في السياسة يترتب عليه ارتكاب الأخطاء والوقوع في مآزق خطيرة مما يستوجب الحذر والحيطة والحسابات الدقيقة لأن الغضب وحده غالباً ما يؤدي إلى فشل.
المؤسف أن المآسي والشدائد العربية المتواصلة بين فترة تاريخية وأخرى سواء على الساحة الفلسطينية أو أية منطقة عربية تكشف المزيد من العشوائية والتضليل والشطحات الإعلامية المفعمة بالانفعال غير الواعي الذي يكشف إلى أي مدى هذا المواطن العربي مضلل إعلامياً.
حكومة (حماس) الفتية عقدت العزم على مقاتلة العدو حتى آخر رجل في قطاع غزة، وأعلن المسؤولون في الحركة من خوض حرب طاحنة ضد العدو وان حماس سوف تزلزل الأرض تحت أقدام العدو في الوقت الذي كانت حكومة رام الله المثالية تطلب الهدوء وعدم المواجهة، وفي أعماقها السرية تتمنى لحماس الضربة القاضية والزوال الأبدي من إسرائيل أو غيرها.
المعروف للقاصي والداني أن حركة (حماس) على المستوى الرسمي مستهدفة فلسطينياً وعربياً وإسرائيلياً ودولياً إلا أنها قابلت التحدي بالتحدي وإطلاق التصريحات النارية والحماسية بأنها سوف تلقن العدو درساً لن ينساه ولديها الكثير لمعاقبة العدو الإسرائيلي إذا أقدم على أي عمل عدواني واعتبر العدو كل التصريحات ذرائع مناسبة تخدم توجهاته العدوانية المرسومة والمبيتة سلفاً.
كان ياسر عرفات أكثر اللاعبين براعة وحنكة عندما تولى السلطة الفلسطينية ولكنه وقع في نفس الأخطاء عندما قبل الزعامة تحت رحمة العدو الذي حاصره في النهاية لأكثر من عامين حتى وفاته بالسم على يد العدو ومع ذلك لم يتعظ أحد في الدولتين الفلسطينيتين المتخاصمتين في غزة ورام الله وكان بإمكان ياسر عرفات أو إسماعيل هنية أو عباس الاستفادة من الشعوب التي خاضت مقاومات تحرير مريرة وطويلة ضد الاحتلال والاستعمار.
لم تقبل الشعوب التي كانت تحت الاستعمار في العالم أن تكون لها عشرات الفصائل وعشرات الأسماء تتنافس فيما بينها على كشف أسرارها للعدو وكل ذلك طمعاً في أنها أفضل من غيرها مما يسر على العدو منذ 60 عاماً القضاء المتواصل على هذه الفصائل التي تطورت من العدد الكبير للفصائل إلى الانفصال وتشكيل ما تسميه اليوم بحكومتي غزة ورام الله.
عذراً إذا كنت قد ذهبت بعيداً في رأي البعض واتهمت القيادات الفلسطينية بأنها مولعة بالسلطة بشكل فاق ولع أشقائها العرب، ولكن النتائج بعد 60 عاماً واضحة فها هي القضية تسير من السيئ إلى الأسوأ ومن نفق مظلم إلى نفق أكثر ظلمة رغم التضحيات بآلاف الشهداء والسبب جنون القيادة والأسماء الرنانة التي تطلق على هذه القيادات المعلقة في الهواء دون أدنى أمل لتحقيق الدولة الفلسطينية.
ونعتذر مرة أخرى إذا قلنا إنه لن ينجح الكفاح الفلسطيني مهما بذل من الدم والمعاناة والجهود فلسطينياً وعربياً وحتى دولياً إذا لم تتغير طريقة الفصائل الفلسطينية وتلجأ إلى الكفاح المسلح الشامل بعيداً عن الذات والأنا والأسماء الرنانة الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى والتي تتسابق بعد كل فصيل ينسبها لنفسه وكأنه يقول للعدو ها أنا هنا.
التعليقات