جهاد الخازن

القمة الاقتصادية العربية في الكويت هذا الشهر، كانت مهمة عندما أطلقت السنة الماضية واحتضنتها القمة العربية في الرياض في آذار (مارس) 2007، وأصبحت أكثر أهمية بعد انفجار الأزمة المالية العالمية.

لا أبالغ إذا قلت إن القمة الاقتصادية ربما كانت أهم خبر عربي منذ سنوات، فما تحتاج اليه الأمة هو اتفاقات اقتصادية لا سياسية، فالأولى لفائدة الناس جميعاً، والثانية للخلاف بينهم، فهي تجمع فريقاً ضد فريق.

أهل الكويت أفضل من يقود المسيرة الاقتصادية العربية، فلهم خبرة طويلة ناجحة داخل الكويت وعلى مستوى العالم كله، ولا أحد يستطيع أن يضحك عليهم أو يبيعهم سمكاً في البحر كما نقول.

وكنت سأطمئن نهائياً للقيادة الاقتصادية الكويتية لولا الأزمة الحكومية المستمرة، وهي أزمة غريبة مستغربة، فالبرلمان الكويتي يعمل ضمن مساحة ديموقراطية واسعة، غير متوافرة في أكثر البلدان العربية، والحكومة التي يرأسها الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح تمثل مجموعة نادرة من الخبرات والأخلاق والمهنية.

الحكومة الجديدة التي سيشكلها الشيخ ناصر ستكون الخامسة له منذ بدايات 2006، وقد حلّ البرلمان مرتين خلال 36 شهراً، واستقالت الحكومة أو أُقيلت مرات عدة، ما يعطي انطباعاً خاطئاً عن هشاشة التجربة البرلمانية في الكويت. وأنا لا أحتاج أن أعود الى كل أزمة وأسبابها، فأهل الكويت أدرى بشعاب بلدهم، ولكن إذا اخترت الأزمة الأخيرة مثلاً، فهي تبعت محاولة ثلاثة نواب اسلاميين استجواب رئيس الوزراء بسبب دخول رجل دين إيراني هو محمد باقر الغالي الكويت، مع أن دخوله محظور بعد أن دانته محكمة كويتية وفرضت عليه غرامة بتهمة سب الصحابة.

النواب الإسلاميون حمّلوا الشيخ ناصر مسؤولية دخول الغالي البلاد من جديد، وهذا غير محق، فرئيس الوزراء ليس موظف جمارك، وأهم من ذلك كثيراً أن النواب الإسلاميين لم يتوقفوا ليفكروا في أسباب عودة رجل الدين الإيراني بعد أشهر من الحكم عليه في حزيران (يونيو) الماضي. هم لو فكروا لربما استنتجوا أن الغالي تعمد العودة أملاً بإثارة فتنة، وأن رد فعلهم يعني نجاحه في ما أراد.

لو فكّر النواب جميعاً في الوضع البرلماني وأحصوا عدد الاستجوابات، وزادوا عليها عدد الحكومات، مع برلمانَيْن سنة بعد سنة، لوجدوا أن الشيخ ناصر تعامل مع البرلمان بقفازين من حرير، وعكس دائماً صبره ودماثة أخلاقه وتواضعه.

هناك في الكويت كثيرون مؤهلون لكل منصب، بما في ذلك رئاسة الوزارة ومقاعد البرلمان ودنيا المال والأعمال، والشيخ ناصر من هؤلاء وفي مقدمهم. ونظرة الى سيرته الذاتية، لو جمعناها كما يفعل طالب العمل (وهو لم يطلب بل كُلّف) لوجدنا أنه على تعليم عالٍِ، وقد نجح سفيراً ووزيراً، ويجمع بين خبرة خارجية عميقة، ورئاسة لجان ومؤتمرات في بلده منذ بدء عمله الرسمي في أواسط الستينات، وحتى رئاسة الوزارة بعد أربعة عقود أو نحوها، ثم إنه يتمتع بثقة الأمير صباح الأحمد الصباح ما يسهل عمل الجميع.

ما كنت لأدافع عن الشيخ ناصر، وهو لا يحتاج الى دفاعي، غير أنني أريد للقمة الاقتصادية أن تنجح، وهي إذا لم تنجح في الكويت فلن تنجح في أي بلد عربي آخر. لذلك أرجو من البرلمان الكويتي أن يحرص على دعم الحكومة في هذه الفترة لنضمن نجاح القمة التي لا بد من أن ينعكس نجاحها على كل بلد عربي، بما فيها الكويت، وهي إذا ساعدت أهل غزة كان لها حمدنا جميعاً.

القمــة ستدرس الأزمة المالية العالمية، وســبل تعزيز البنية التحتية العربية، وسيسبق وصول رؤساء الدول لقمة 19 و 20 الجاري اجتماع لوزراء المال ورؤساء البنوك المركزية، وأمام الجميع دراسات واقتراحات ومشاريع من نقابات ومفكرين ودور بحث. ثم هناك القدرة الكويتية المعروفة في الإدارة المالية.

أذكّر الجميع بصناديق الاستثمارات العربية التي أصبح اسمها فجأة صناديق سيادية، وضع الأميركيون والأوروبيون في وجهها عقبات وأصدروا قوانين للحد من نشاطها. هذه الصناديق تدير محفظة مشتركة بحوالى تريليون دولار، وكل خبير يعرف أن مردود الاستثمار في البلدان العربية أعلى منه في الشرق أو الغرب. ثم لا يحتاج الانسان أن يكون خبيراً ليعرف أن البلدان العربية يكمل بعضها بعضاً، فهناك يد عاملة في بلاد، وحاجة الى عمالة خارجية في بلاد أخرى، وهناك قدرة زراعية هائلة في بلاد، وهناك حاجة دائمة الى استيراد المنتجات الزراعية في بلاد صحراوية ولا ماء.

القمة الاقتصادية في الكويت هي طريق الخير للجميع، وأرحّب شخصياً بالقيادة الكويتية.