داود الشريان

طلب الشاب العربي من العجوز القبرصي فنجان قهوة تركية. يوجد لدينا قهوة يونانية، رد العجوز. التفت الشاب نحو صديقه وقال مازحاً: اذا كنت في قبرص عليك ان تقاطع الاتراك حتى في شرب القهوة. عاد القبرصي ومعه قهوة زوّر هويتها. بعد حوار غاضب، غادر الشابان المقهى انحيازا الى الاتراك.

اليوم انتصر رئيس وزراء تركيا رجب اردوغان للقهوة التركية، فشربناها هذه المرة سكر زيادة. ذكرنا رجب الطيب بعبدالحميد الثاني. اعادنا الى الزمن الجميل، ومفهوم الأمة. رئيس الوزراء التركي استطاع، بشجاعة ونبل وقدرة سياسية غير مسبوقة، ان يتحدث من موقعه التاريخي كحفيد للعثمانيين laquo;الذين تعاطفوا مع اليهود وفتحوا لهم أرضهم وأحضانهم عندما طردوا واضطهدواraquo;. وهذه المقاربة التاريخية الذكية كانت موجعة على نحو تدرك إسرائيل أهميته وخطورته على بعض المفاهيم التي باسمها تتجبر وتقتل الاطفال. ولهذا حاول بعض السياسيين الإسرائيليين وصف كلام رجب الطيب عن laquo;البقعة السوداءraquo;، بأنه كلام عاطفي، خشية خلق حال من الربط بين ما جرى لليهود سابقاً ويجري للفلسطينيين اليوم. فهذا الربط سيفضي مع الإصرار الى معاودة صوغ الاسئلة، والتمييز بين القاتل والقتيل.

لا شك في ان رجب الطيب حقق انتصاراً سياسياً، وان شئت ثقافياً، في خطابه التاريخي المهم. وعبّر عن رفضه لمفهوم الوسيط الذي تحاول اسرائيل، ومن ورائها واشنطن، الترويج له. فالوسيط، في نظر اسرائيل، طرف مسلوب الارادة، وأجير عند القوي، وليس له موقف، ولا ينبغي له ذلك، فضلاً عن انه مجرد من العواطف الانسانية، وحس العدالة. لكن رجب الطيب رفض هذه الرمادية لموقع الوسيط، مذكراً بأن تركيا قبلت هذا الدور لتلعب دور القاضي وليس الأجير ومسلوب الإرادة والتابع.

الأكيد أن المضمون السياسي والتاريخي والثقافي لخطاب رجب الطيب اردوغان كشف زعامة تركية تستحق الاعجاب والتقدير والمساندة. ناهيك عن ان الزعيم التركي وضع في خطابه حداً للحال الاعتذارية التي اصبحت صفة تلازم بعض السياسيين اذا تحدثوا عن اسرائيل، او عملوا معها. ورسم دور تركيا كما يراه الاتراك، لا كما يريده الإسرائيليون وغيرهم.