زيّان

لدى انتشار نبأ quot;كاتيوشاquot; نهاريا وشلومي، طغت موجة من البلبلة والتحليلات التشاؤميَّة، وتبادر الى الأذهان حالاً ان هناك من يخطٍّطُ لتوريط لبنان في حرب جديدة مع اسرائيل، على غرار ما حصل في تموز 2006، وفيما لا تزال آلة الحرب والقتل الاسرائيلية تفلح الأرض والأجساد في غزة.
وتبدَّى لكثيرين، وبما يشبه الجزم واليقين، ان المتضررين من تسوية حرب تموز والتسوية المقترحة لحرب غزة سيعملون ما لا يعمل لفركشة هذه التسوية والساعين اليها، وفي الطليعة مصر والسلطة الفلسطينية وفرنسا والأمين العام للجامعة العربية، وسواهم.
باختصار، لم تكن الصواريخ الصباحية التي اطلقت من جنوب لبنان في اتجاه شمال اسرائيل quot;عفويَّةquot;، أو من باب فشٍّ الخلق، أو للتمريك ليس الاّ...
كانت مقصودة. وكانت محمَّلة بالنيّات السيّئة. وكانت تنطوي على أهداف ومهمات عدة، أبسطها استدراج آلة القتل الاسرائيلية في اتجاه الجنوب مرة أخرى.
وليس من المبالغة القول إن من جملة مقاصدها توجيه اصابع الاتهام في اتجاه quot;حزب اللهquot;، بحيث يدخل البلد مجدداً في اضطرابات وانقسامات لا حصر لها.
لذا أبدى اللبنانيون، على مختلف المستويات والمشارب، ارتياحهم واطمئنانهم عندما أكدَّ quot;الحزبquot; ان لا علاقة له بهذه الصواريخ، لا من قريب ولا من بعيد.
وحسناً فعلت قيادات الفصائل الفلسطينيّة، عندما تداعت الى اجتماع تنسيقي فوري مع المسؤولين اللبنانييّن، كدليل صريح على عدم تورّطهم في فعلة الصواريخ التي تجاوزت اصداؤها الحدود اللبنانية والعربيَّة.
وقد تكاثر الاستنكار والاستهجان والاستغراب، من غير ان يجعل القيادات اللبنانية المعنيَّة تتأخرَّ في اعلان رفضها القاطع لمثل هذه quot;الاستدراجاتquot; المشبوهة، وتوجيه التنبيه الى من يعنيهم الأمر ان الدولة اللبنانيَّة هي المرجع الوحيد، وهي مَنْ يقررٍّ جنوباً وشمالاً.
صحيح أن ما تتعرَّض له غزة وأهلها هو المجزرة عينها التي يندى لها الجبين، والتي دخل جرحها ونزفها قلب كل لبناني، الا ان لبنان لم يقصِّر، ولم يتردَّد، ولم يتأخر في بذل وتقديم كل ما في وسعه وكل ما يمون عليه، فضلاً عن التضامن في المحافل الدولية وأمام الشرعية الدولية.
وبكل الوجوه، وعلى مختلف المستويات... ما عدا المستوى العسكري الذي يقرره الاجماع العربي، وتسير به كل الدول العربيَّة من دون استثناء.
فحتى اللحظة لا يزال الوطن الصغير يعالج جروح تموز 2006. فضلاً عن أن أهالي الجنوب أنفسهم لا يزالون منهمكين في معالجات معقدة وطويلة لذيول تلك الحرب.
ولا بدُّ، للمناسبة، من تذكير quot;أصحابquot; quot;الكاتيوشاquot; والموعزين بها ان الموقف الرسمي اللبناني الذي عبَّر عنه الرئيس ميشال سليمان، لم يفته التحذير الصريح من جرّ لبنان الى حروب لا يريدها، وغير قادر على مواجهتها.
لبنان أعلن تضامنه مع غزة، ومع القضية الفلسطينية، ومع كل ما يجمع عليه الاشقاء العرب في السرّاء والضراء.
quot;لهذه الأسباب مجتمعة سارع العرب قبل اللبنانيين الى القول ان quot;هديةquot; quot;الكاتيوشاquot; إنما هي ضد التسوية، وضد مساعي انقاذ غزة.