ألكسندر كوكبرن

أمطر التيار اليساري الأمريكي الرئيس المنتخب أوباما بوابل من سهام النقد وهاجمه بشراسة لإحجامه عن التعليق على عملية الذبح ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التي تدور رحاها في قطاع غزة، إلا ان صمته الحصيف هذا أثار ريبة اليهود أيضا ولم يرق للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; وحلفائها هنا في الولايات المتحدة. كان ldquo;الإسرائيليونrdquo; ومن لف لفهم يريدون تأييداً صارخاً مدوياً يناصر المقتلة العظيمة التي أوقدوا نارها في غزة. كما كانت ثمة تلميحات أيضاً تبدت من ثنايا الخطابات التي يبثونها على شاشة التلفزيون ويغمزون فيها من قناة أوباما برميهم لكبار مساعديه مثل ديفيد اكسيلرود بأنهم لم يكونوا في غاية الابتهاج والرضى بصنيع جهابذة الدعاية في الدولة ldquo;الإسرائيليةrdquo; لابرازهم لتصريحات أوباما وتسليطهم الأضواء على ما أبداه من ملاحظات في خضم زيارته ل ldquo;إسرائيلrdquo; في الصيف، ولا سيما قوله حينها: ldquo;لئن أطلق شخص ما الصواريخ على بيتي حيث ترقد ابنتاي ليلاً فلن أدخر أي شيء في وسعي لإيقاف المعتديrdquo;.

كان أوباما السبّاق والأول بلا منازع خلال حملته الانتخابية، بل ومنذ أن وصل إلى مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2005 في ابداء حرصه على أمن ldquo;إسرائيلrdquo; وتفانيه في مناصرتها بكل ما أوتي من قوة. كما كان أوباما متلهفاً بشكل جنوني على طمأنة اللوبي ldquo;الإسرائيليrdquo; وترسيخ قناعات جماعات الضغط الموالية ل ldquo;إسرائيلrdquo; بأنه مع أوباما فليس هناك أي داع للقلق ولا ينبغي ل ldquo;الإسرائيليينrdquo; أن يتوجسوا. وما أن وطئت قدماه واشنطن حتى بادر أوباما إلى انتقاء جو ليبرمان، المعروف بشكل غير رسمي بأنه سيناتور من ldquo;إسرائيلrdquo; فجعله وصيفه وناصحة المخلص ومستشاره. وفي المؤتمر السنوي الذي عقدته اللجنة الأمريكية ldquo;الإسرائيليةrdquo; للشؤون العامة (ايباك) خلال الصيف الماضي استمطر أوباما وابلاً غزيراً من الانتقاد الذي انهال عليه من كافة ألوان الطيف السياسي لمداهنته التامة لجماعة الضغط البالغة القوة هذه ولانبطاحه أمام ldquo;إسرائيلrdquo; وتذلله المهين لها.

لذا نسأل، هل ثمة من دليل واحد على انه حين يتربع أوباما على عرش المكتب البيضاوي ويتم تنصيبه فإنه سيحاول انتهاج سبيل آخر والسير على خطة أخرى؟

وفي المعسكر اليساري نجد أن نعوم تشومسكي قد صرح مؤخراً: ldquo;بمجيء أوباما إلى السلطة صارت ldquo;إسرائيلrdquo; وأقل من 2% من الشعب الأمريكي تهيمن هيمنة مطلقة على الحكومة الأمريكيةrdquo;.

ومن الصحيح بالمطلق أنه في اللحظة التي تبدي فيها ادارة أوباما الجديدة أي حراك، مهما كان ظاهرياً ولذر الرماد في العيون، نحو الحياد فسوف تعتبرها الجيوش المجيشة من قوى الضغط ldquo;الإسرائيليةrdquo; مناوئة ل ldquo;إسرائيلrdquo; ومعادية للسامية، وستمتد هذه الجبهة من مكتب نائب الرئيس بيدن لتصل إلى كبير موظفي أوباما في البيت الأبيض راحم عمانوئيل، مرورا بنحو 98% من أعضاء الكونجرس الأمريكي، وكبريات الصحف وشبكات التلفزة والفضائيات، ومراكز الدراسات والبحوث في واشنطن وكبار ممولي الحزب الديمقراطي. ومن هنا فإن بعبع الخراب السياسي وشبح التشويه السياسي المستدام سينطلق من القمقم ليعربد في المرحلة القادمة. وسرعان ما سيكتشف البيت الأبيض ان مشروعه السياسي الأكبر، ألا وهو برنامج الانقاذ والانعاش الاقتصادي قد سقط رهينة بسرعة مذهلة في أيدي هذه الفئة.

وصحيح أيضاً ان أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قد أفصحا يوماً في غابر الزمان عن شيء من التعاطف مع بلوى الفلسطينيين وتفهماً لطموحاتهم.

حيث التقطت صورة لأوباما ولزوجه ميشيل فيما بدا بالظاهر وكأنه لقاء حميم مع المفكر الراحل الأمريكي الفلسطيني الأصل ادوارد سعيد، وهو أشهر من عرفت الولايات المتحدة من الفلسطينيين، وصورة أخرى لهيلاري كلينتون وهي تعانق عرفات علناً. لذا فلا يبعد عن الصواب القول إنه لا أوباما ولا كلينتون لديه أي تعلق أيديولوجي أو التزام ديني ملحوظ بالقضية الصهيونية، وذلك خلافاً لبوش الصغير. وسيحرص الاثنان بالطبع على مستقبلهما السياسي أشد الحرص وسيبالغان في التزلف والاسترضاء لاظهار الولاء ل ldquo;إسرائيلrdquo; وسوف تهيمن نزعة الخنوع هذه بشكل دائم على أوباما ووزيرة خارجيته.

ولكن إذا كانت قوة اللوبي ldquo;الإسرائيليrdquo;، تشكل عائقاً هائلاً هنا في الولايات المتحدة، كما كان شأنها دائماً حيث تقف حجر عثرة في طريق انتهاج سياسة خارجية أمريكية متوازنة لا تدوس على الطموحات الفلسطينية وتسحقها فإن الوضع الدولي يتيح اليوم فرصة أراها سانحة ويتطلب نقلة وتغييراً. فرغم ان ضراوة ما تقترفه ldquo;إسرائيلrdquo; من قتل في غزة تشي بضعف ووهن يدب في الكيان ldquo;الإسرائيليrdquo; ويستفزه لارتكاب هذه الفظائع بلا هوادة في غمرة لهاثه لتحقيق نصر عسكري بأي ثمن لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات في ldquo;إسرائيلrdquo;، تماماً كما كان صنع شيمون بيريز في ظروف عسيرة نكدة جداً فشن حملة ldquo;عناقيد الغضبrdquo; على لبنان قبل الانتخابات التي خسرها حزبه آنذاك، في عام 1996. فعمليات القصف الشامل توحد السكان دائماً في الطرف المقابل وتزيد من التحامهم وتماسكهم وتمسكهم بقادتهم السياسيين، شريطة أن يتواصل الصمود.

وفي النهاية ستوقف ldquo;إسرائيلrdquo; قصفها، فما الذي ستنجزه أو تحصل عليه عدا انكشاف استراتيجيتها العبثية التي لا تجدي نفعاً، مثل تلك الهجمة التي شنتها على لبنان في عام 2006؟ كانت آخر مرة شنت فيها ldquo;إسرائيلrdquo; حملة عسكرية وحصدت ما يمكن بمنظور ما تسميه نصراً قبل 27 سنة وذلك في عام 1982 حين اجتاحت لبنان. وأما حماس فقد زادها الهجوم الحالي قوة إلى قوتها.

فعلى مدى أشهر متطاولة أحكمت ldquo;إسرائيلrdquo; حصارها على غزة وجوعت سكانها المدنيين ومنعت عنهم الغذاء والدواء والنفط والكهرباء وأغلقت شاطئهم ودمرت اقتصادهم وحرمتهم من مقومات العيش الأساسي من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً. ومن الصعب أن تلتقط صوراً دراماتيكية لزجاجة دواء فارغة، لكن من السهل تصوير مهجع كانت تنام فيه مجموعة من الفتيات الصغيرات، أو تصوير أم فلسطينية تنتحب فوق جثامين خمس من بناتها الصغيرات قضين في القصف ldquo;الإسرائيليrdquo; ونشرت ldquo;الواشنطن بوستrdquo; صورهن على الصفحة الأولى هذا الأسبوع.

ان الظروف مواتية كي تمارس الولايات المتحدة ضغطها. وهذا بالطبع على افتراض أن الادارة الجديدة تتحلى بقدر يسير من الشجاعة الكافية وقليل من البراعة والكفاءة، فهناك رهان طويل الأمد، كما علمتنا التجربة المرة التي امتدت لأكثر من 40 سنة.

وكان بيل كلينتون في اللحظات الوداعية من عمر ادارته قد كاد ان يتوسط لابرام صفقة ناجحة بين ايهود باراك وياسر عرفات. ولا شك أن هيلاري كلينتون تعلم تمام العلم حكاية أن عرفات ضيع فرصة العمر وأشاح بوجهه عن ldquo;أفضل صفقة ممكنةrdquo;. انما هي خرافة صنعتها ldquo;إسرائيلrdquo; وروجت لها. والحقيقة هي ان باراك الذي كان يواجه الانتخابات هو الذي أجهض الصفقة في قمة طابا. والكل يعلم ما ينبغي أن تكون عليه ملامح أي تسوية يمكن التوصل إليها. هل سيواجه أوباما وكلينتون الحقيقة؟ لسوف تستحثهما ظروف أمريكا وتحملهما رياح التغيير التي هبت على أمريكا على سلوك هذا المسلك.

فإن شاء أوباما أن ينأى بنفسه عن أن يوصم بتحزبه ل ldquo;إسرائيلrdquo; وانحيازه الكامل لها ولجماعات الضغط ldquo;الإسرائيليةrdquo; فلابد له من بذل قصارى جهده وانتهاج هذا الدرب، إلا اننا إذ نقول هذا لابد أن نقرر أيضا أنه ليس ثمة بصيص أمل يدعو إلى التفاؤل بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي التي دأبت منذ حرب الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967 على مناصرة ldquo;إسرائيلrdquo; واشتد دعمها لها باضطراد منذ ذلك الوقت. لذا فإن التشاؤم هو سيد الموقف وشبحه يخيم على كل التقييمات.