ممدوح طه

الحرب التي تفرض على الشعوب الساعية إلى نيل حقوقها وحريتها وكرامتها هى ذروة الكرب وقمة الشدة، والشدائد الكبرى هي في النهاية امتحانات كبرى لصلابة الإرادة والاستعداد للتضحية والقدرة على الصمود والمنازلة ولكشف معادن كل الرجال.

وبقدر مآسيها الإنسانية الهائلة وأثمانها المادية الباهظة، بقدر ما توفر من فرص كاشفة بأكبر قدر من الوضوح للفرقان بين الحق والباطل، وبين المعتدي المهاجم والمدافع المقاوم، ولتبيان مدى الذكاء والغباء التكتيكي والاستراتيجي، ولتحديد خريطة الأعداء والمنافقين والأصدقاء، على حد قول الشاعر العربي: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي.

ولم يعد أحد من الأسوياء في العالم بحاجة لإعادة التأكيد بأن الاستقلال حق والاحتلال باطل، وأن العدل حق والظلم باطل، وأن الحياة حق والقتل باطل، وأن الدفاع حق والعدوان باطل، باعتبار أن الاحتلال ـ وهنا جوهر القضية ـ هو مصدر كل الشرور، و أعلى درجات العدوان، وأقسى درجات الظلم، وأقصى جرائم الاغتصاب وأبشع مجازر القتل!

وما جرى في فلسطين من اغتصاب وطن وإرهاب وطرد شعب واحتلال أرض، وما جرى بعد ذلك من حروب عدوانية توسعية على الأرض الفلسطينية والعربية، وما يجري الآن في غزة من حصار إجرامي وعدوان إرهابي، ومن محرقة بشرية ومجازر لا إنسانية على مشهد من العرب والعالم بالصوت والصورة بالمخالفة لكل ما هو حق وعدل سماوي وقانون دولي وعرف إنساني لم يعد يحتاج إلى تدليل على إرهاب الإرهابيين الصهاينة وإجرام المحتلين المعتدين، وظلم الظالمين.

وبعد ما علمنا التاريخ أن الاستعمار مشروع خاسر، وأن الاحتلال زائل لا محالة مهما طال الزمن، وأن القوة لم ولن تكسر إرادة الشعوب مهما بلغ جبروتها، وبعد ما فشل الاستعمار الأميركي في إخضاع الشعوب وخرج مهزوما من فيتنام وبقى موروطا في العراق وأفغانستان، وبعد ما فشلت إسرائيل بحروبها العسكرية في تحقيق أهدافها السياسية، على ضفاف القناة مرتين، ومرتين في لبنان، ومرات في فلسطين وبالتحديد في غزة، التي تغرق فيها بعدما هربت منها.

فأي غباء هذا الذي يظهره جنون قوتها؟!

ولهذا لم نتجاوز الحقيقة عندما نصف الحرب العدوانية الصهيونية الأميركية على غزة الصمود والعزة بالغباء وقصر النظر السياسي والعسكري.. لأن من اختار الإجرام والإرهاب والشر طريقا لا يمكن أن يكون ذكيا ولابد أن يكون غبيا ولو كان قويا!

ولأن الأغبياء وقصار النظر ليس لهم أهلية النجاح سياسيا، ولا إمكانية الانتصار عسكريا، فلا نتيجة لحروبهم الإرهابية سوى الفشل التكتيكي والاستراتيجي.

وقادة إسرائيل أغبياء لأنهم لا يحرقون غزة وحدها بقدر ما يدفعون مستقبلهم إلى المحرقة، وبقدر ما يظهرون لشعوب العالم من هم الإرهابيون الحقيقيون، وبقدر ما يحرقون كل فرص الأمن والسلام لهم ولغيرهم، ومن يحرضونهم ويحمونهم في واشنطن أغبياء لأنهم يحرقون لافتاتهم وشعاراتهم الزائفة، ويحرقون مصداقيتهم، ويكشفون للشعوب عن وجههم القبيح.

وليس أدل على غبائهم الذي زين لهم جنون حروبهم وارتكاب جرائمهم ضد الإنسانية من شهادات أهلهم، فبينما قالت والدة الرئيس الأميركي المنصرف: laquo;ويل للعالم لو فاز في الانتخابات أغبى أبنائيraquo;، عنون الحاخام اليهودي مايكل ليرنر رئيس تحرير مجلة laquo;تيكونraquo; مقاله بصحيفة التايمز البريطانية بالقول: laquo;غباء إسرائيل يحطم قلبيraquo;!.. والأغبياء لا ينتصرون.