توفيق المديني
على الرغم من استمرار الحرب الصهيونية على غزة، حيث كشفت صحيفة laquo;الغارديانraquo;(6/1/2009) أن المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين يضغطون على نحو متزايد من أجل استمرار الحملة العسكرية على غزة إلى أن تضمن السقوط المنتظر لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن القيادة الإسرائيلية ترغب في تغيير قواعد اللعبة على الأرض قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب مهمات السلطة في واشنطن، فإن الرئيس المنتخب باراك أوباما الذي سيتولى مقاليد السلطة رسميا في البيت البيض يوم 20 يناير الحالي، يرفض الخروج عن صمته، متمسكا بأن للولايات المتحدة الأميركية رئيساً واحدا، ويصر مستشاروه على أن الرئيس جورج بوش هو وحده الذي يحق له التحدث باسم اميركا حتى ذلك الحين. ويريد باراك أوباما تجنب أخطاء سلفه، في الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، والانتظار كما فعل بيل كلينتون حتى آخر فترة في ولايته الثانية، لكي يحاول لعب ورقة البوكر الأخيرة، أو البقاء على الهامش كما فعل جورج بوش.
خلال حملته الانتخابية المظفرة، كان المرشح الديمقراطي آنذاك باراك أوباما على موعد مع الشرق الأوسط وقائمة أولوياته التي لا تتضمن بالضرورة الملف الفلسطيني. وفي الواقع، تفضل مشاريعه في المدى المتوسط انسحابا نظاميا من العراق، ومحاولة الانفتاح على إيران بهدف التفاوض معها، منعاً لامتلاكها القنبلة النووية. ولم يكن باراك أوباما يفكر كليا أنه من واجبه الانكباب بسرعة على الحرب الصهيونية على غزة، وتداعياتها الإقليمية والدولية. في المرحلة الانتخابية، قال أوباما إنه يريد أن يجعل من الشرق الأوسط واحدة من أولوياته، بوصفه تمرينا إجباريا. وعلى نقيض الرئيس بوش، لم يكن اوباما ينفي laquo;مركزيةraquo; الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي. ومع ذلك، كان يريد معالجته في إطار استراتيجية تشمل كل ملفات الشرق الأوسط.
قلبت الحرب الصهيونية على غزة مخططات الرئيس المنتخب أوباما، وأجبرته على التدخل بصورة أكثر مباشرة وسريعة أكثر مما كان يتوقع من هذه المواجهة العسكرية. ومع ذلك، ومن خلال قراءة فكر الرئيس المنتخب، أو عبر تصريحات المستشارين المقربين منه، فإن فكرته تكمن في إطلاق laquo;ديناميكية جديدةraquo;، تتضمن بعدين.. فمن جهة، هناك إرادة التركيز على الحل الدبلوماسي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني أولا، لا على استخدام القوة. ومن جهة أخرى، هناك الاعتقاد بأن أي تقدم في أحد الملفات الشرق أوسطية ( العراق، إيران ،المفاوضات السورية- الإسرائيلية، فلسطين) يمكن أن يكون له تأثير قوي على الملفات الأخرى.
فالتركيز على الحل الدبلوماسي، لا يعني تغييب الخيار العسكري، بل يجب أن يكون حاضرا، ولاسيما بالنزاع النووي مع إيران. وتفاديا لانتقادات الخصوم السياسيين، كرر الرئيس المنتخب أوباما بأنه مستعد لإطلاق مفاوضات من دون شروط مع إيران، من دون أن تكون لديه أوهام حول طبيعة النظام في طهران ،ومن دون تخفيف العقوبات المفروضة عليها، بل على العكس من ذلك.
إن إطلاق ديناميكية جديدة تعني كسر الحلقة المفرغة التي يتسم بها الوضع في الشرق الأوسط: laquo;عندما نكون أقوياء فلسنا بحاجة إلى عقد تسوية. وعندما نكون ضعفاء، فإننا لا نسمح لأنفسنا بعقدهاraquo;. فمن خلال بلورة مقاربة شاملة، ستبحث الإدارة الأميركية الجديدة في إقناع محاوريها بأن المشهد السياسي الشرق أوسطي لا يقدم لعبة حصيلتها صفر، بل على النقيض من ذلك، فإن الكل بإمكانه أن يربح.
و سيشكل الانسحاب من العراق الإشارة الأولية من هذه الإرادة السياسية، لأنها تعتقد أن على جيران العراق جميعهم، وفي مقدمتهم الإيرانيون أن يعترفوا أن مصلحتهم المشتركة تكمن في تحقيق المحافظة على سلامة واستقرار هذا البلد، بعد انسحاب القوات الأميركية منه.
للتخلص من هذه الثنائية: لا إيران نووية، ولا إيران خاضعة للقصف بالقنابل، يعتقد المستشارون المقربون من الرئيس المنتخب أوباما أن البحث سيتطلب منه وضع المسألة النووية الإيرانية في إطار إعادة تقسيم للمنطقة، تنخرط فيها، ليس دول المنطقة فحسب، ولكن دول كبرى كروسيا والصين. وبكلمة واحدة يجب تحديد سياسة خارجية جديدة.
وفيما كانت السياسة الداخلية والدبلوماسية الدولية عاملين دفعا أوباما إلى التزام الصمت، فإن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تصدرت الأحداث، إذ حملت حماسlaquo;المسؤوليةraquo; فيما جرى في غزة. وكانت رايس قالت من قبل إن laquo;الولايات المتحدة الأميركية تحمّل حماس مسؤولية إنهاء الالتزام بوقف النار والعودة إلى العنف في غزةraquo; .
يمكن النظر إلى موقف أوباما على أنه انتهازي متعمد. ويمكن رؤيته ايضا بمنزلة الرفض لاتخاذ موقف ndash; على نقيض رايس ndash; من مسألة مسؤولية الطرفين المتحاربين إسرائيل وحماس، في الحرب المجنونة المفتوحة. وقال المحلل في معهد الشرق الأوسط ادوارد ووكرجي الذي عمل سفيرا لأميركا في إسرائيل في الفترة بين 1977 و1999: laquo;لوكنت مكان أوباما لما رغبت في الحديث عن الأمر أيضا. بصراحة، إن ترك هذا الأمر للرئيس أمر يدعو إلى قدر أكبر من الارتياح... لا أعتقد أنه يريد في هذه المرحلة أن يوصف بأنه يؤيد أو يدين رد الفعل الإسرائيلي، لأن مصالحنا ممزقة نوعاً ما في هذا المجالraquo;.
وفي حال الإدلاء بتصريحات مؤيدة لإسرائيل، يخاطر أوباما بإثارة استياء العالم العربي حتى قبل تولي منصبه. بيد أنه خلال فترة قصيرة، سيجد أوباما الملف عن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في وضع laquo;مختلف جداraquo; عما هو قائم عليه اليوم، حسب تحليل روبرت مالي، المستشار الخاص للرئيس السابق بيل كلينتون.
وحسب روبرت مالي هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن قراءتها حتى ذلك الوقت. السيناريو الأول، ويتمثل في حصول وقف للنار تحت إشراف وساطة ما. والسيناريو الثاني هو الاستمرار في القصف الإسرائيلي وإطلاق المقاومة الفلسطينية الصواريخ على المستوطنات والمدن الإسرائيلية. والسيناريو الثالث، هو الهجوم البري للجيش الإسرائيلي بهدف القضاء على حركة حماس.
والحال هذه، فإن موقف فريق أوباما من الحركة الإسلامية الفلسطينية، لا يبدو أنه محدد. إذ يؤكد حسب وجهة نظره على الشروط الثلاثة للجنة الرباعية(الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة) من أجل إدماجها في أية مفاوضات: الاعتراف بإسرائيل، والتخلي عن العنف، والقبول بالاتفاقيات الموقعة سابقا، أي اتفاقيات أوسلو. ومع ذلك، فإن النقاش لم يحسم، لجهة فتح مفاوضات معها(حيث تجري في الوقت الحاضر عن طريق الوسيط المصري)، ولا على أي مستوى آخر.
وكانت مجموعة من الباحثين والديبلوماسيين السابقين دعت الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما الى اعتماد استراتيجية ديبلوماسية شاملة لمنطقة الشرق الاوسط تعيد تحديد الأولويات الاميركية التي كانت تتمحور على الحرب في العراق في السنوات الست الأخيرة.
وجاءت هذه التوصيات في كتاب عنوانه laquo;استعادة التوازن: استراتيجية شرق أوسطية للرئيس المقبلraquo;، هو حصيلة تعاون استمر 18 شهرا بين مؤسستين معروفتين للأبحاث والدراسات السياسية هما laquo;مجلس العلاقات الخارجيةraquo; ومركزه الرئيس في نيويورك (تصدر عنه دورية laquo;فورين افيرزraquo;) ومركز صبان لسياسة الشرق الأوسط التابع laquo;لمؤسسة بروكينغز للأبحاثraquo;، ومركزها واشنطن.
ويمكن عد التقرير ndash; الكتاب بمنزلة تفنيد شامل لسياسات إدارة الرئيس جورج بوش ومسلماتها وللاعتبارات الايديولوجية لتيار laquo;المحافظين الجددraquo;، بما في ذلك السياسة الأحادية الجانب، وتلك التي تركز على الخيارات العسكرية الاستباقية والدفع بقوة الى دمقرطة المنطقة قبل أن تنضج الظروف الملائمة لها، وتفادي السعي الجدي الى حل النزاع العربي ndash; الاسرائيلي (حتى السنة الاخيرة من ولاية بوش).
وابرز الفصل الأول المتعلق بالصورة الاستراتيجية للمنطقة، والذي كتبه هاس وانديك، ضرورة السعي الى حل النزاع بين الفلسطينيين واسرائيل، ولاسيما أن الأمل في أوساط الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة يتبخر. لكن الخلافات والانقسامات بين الفلسطينيين ومعارضة المستوطنين الإسرائيليين للحل وغيرها من التحديات، تجعل التوصل الى حل وتطبيقه، أمرا صعبا في المستقبل المنظور (المصدر : النور الصادرة عن الملف برس - الكاتب: النور شؤون سياسية - 05/12/2008).
إلى حد هذا اليوم، لم يعين الرئيس المنتخب أوباما مسؤوله عن ملف الشرق الأوسط، وإن كان الاسم الذي يتم تداوله هو السيد دنيس روس، الذي احتل هذا المنصب في عهد إدارة الرئيس بوش الأب، ثم في عهد بيل كلينتون.
التعليقات