عبدالحميد الأنصاري

أكتب هذه المقالة، والعدوان الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة مازال متواصلاً وهو يحصد أرواح الأبرياء وينشر الفزع والدمار.

لقد استطاع الوفد الوزاري العربي في نيويورك وبعد جهود ماراثونية ومفاوضات شاقة مع كافة الأطراف الدولية من استصدار قرار مجلس الأمن رقم (1860) بوقف فوري ودائم وملزم لإطلاق النار، وإدانة العنف والأعمال العدوانية ضد المدنيين وانسحاب القوات الإسرائيلية، وفتح المعابر وفق اتفاقية (2005) وضمان تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية والترحيب بالمبادرة المصرية وكافة المبادرات الدولية وتأييد جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية .

لقد صمم الوفد العربي وأصر على عدم مغادرة نيويورك مهما كانت المناورات والمراوغات والإحاطات حتى يتبنى مجلس الأمن القرار الأمني بوقف العدوان الإسرائيلي وإنقاذ الشعب الفلسطيني من أهوال هذه الحرب المجنونة وقد نجحوا أخيراً، وهذا يسجل لهم تاريخياً، لكن المهمة الأصعب الآن في تنفيذ هذا القرار ميدانياً.

لأن المعروف أن إسرائيل ستماطل وستراوغ طويلاً في عدم الالتزام بالقرار الدولي وستتذرع بأن (حماس) قد أعلنت بأنها غير معنية بهذا القرار، ستواصل إسرائيل عدوانها وسيسقط المزيد من القتلى والجرحى إلى أن ترغم إسرائيل إرغاماً على وقف عدوانها الوحشي على المدنيين، ومن هنا يجب استمرار الجهود العربية والدولية في الضغط على إسرائيل وبخاصة أن القرار الدولي ؟ اليوم ؟ في صالح الفلسطينيين والعرب.

نعم التكاتف العربي وتنسيق الجهود قد أثمرا في تبني مجلس الأمن لهذا القرار الصعب والذي كانت كل الأجواء المحيطة والمخيمة في أروقة الأمم المتحدة لا تبشر بصدوره بل كانت تسوفه وتؤجله بينما آلة الحرب الإسرائيلية تواصل مجازرها ضد السكان الأبرياء وتسقط في كل يوم المزيد من الأطفال والنساء والمدنيين، تحية لهذا الجهد العربي المشترك الذي تمكن من إنجاز هذا القرار بالصبر والمثابرة ومواصلة الجهود في إقناع أعضاء مجلس الأمن الـ (15) بتحمل مسؤولياتهم الدولية، لقد كان من الممكن أن تحبط كل تلك الجهود وتصتطدم بالفيتو الأمريكي، لكن الضغط العربي استطاع تحييد الموقف الأمريكي عبر عدة تكتيكات عربية ناجحة.

لقد كان من العوامل الرئيسية التي ساندت وأسهمت في نجاح العمل العربي المشترك صمود الشعب الفلسطيني أمام الآلة الإسرائيلية الرهيبة، هذا الصمود الجبار هو الذي أجبر المجتمع الدولي على اتخاذ مثل هذا القرار بالرغم من ممانعة.

ورفض الطرفين الرئيسين: إسرائيل وحماس، نعم لولا هذا الصمود البطولي والتضحيات الجسيمة لهذا الشعب الذي لا يملك من السلاح إلا إرادته العظيمة في المقاومة والثبات وإيمانه الراسخ بحقه في أن يعيش ويحيا آمناً لما استيقظ الضمير الدولي وبخاصة أن التضليل الإعلامي الإسرائيلي وغيره من الوسائل الإعلامية المساندة والمتعاطفه معه قد نجح في تصوير العدوان الإسرائيلي بأنه بمثابة الدفاع عن النفس ضد صواريخ حماس والفصائل الجهادية الفلسطينية على البلدات الإسرائيلية، لقد كان هذا التضليل الإعلامي من ناحية وكذلك إطلاق بعض التصريحات (غير المسئولة) عبر الفضائيات من أسباب تأخر يقظة ضمير المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته الأخلاقية تجاه هذا الشعب الأعزل.

يجب الآن تكاتف الجهود وتوجيهها نحو ضرورة احترام القرار الدولي والمسارعة إلى حماية الشعب الفلسطيني في غزة في أسرع وقت، وأعتقد أن الدور المصري المؤيد بالجهد العربي عليه عبء كبير، وفي تصوري أن مصر بمكانتها وثقلها وبطبيعة علاقاتها بإسرائيل من جهة وبأمريكا من جهة أخرى، قادرة على كبح جماح الجنون الإسرائيلي، وعلى مصر ؟

الآن ؟ أن تكثف جهودها ؟ والقرار الدولي معها مؤيد لجهودها ودورها ؟ في الضغط على الطرفين: إسرائيل وحماس، في إنهاء المذبحة وإنقاذ الشعب الفلسطيني، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلي وفق جدول زمني يتوقف فيه إطلاق النار من كلفة الأطراف.

على مصر ألا تهتم بالأصوات التي تتشكك في جهودها فهي أكبر من أن تتأثر بها، كما أن على مصر ألا تعبأ بالتصريحات الصادرة من حماس بأنها (غير معنية بالقرار الدولي بحجة عدم التشاور معها) فهذه تصريحات إعلامية تكتيكية، نعم (حماس) معنية بالقرار الدولي.

والشعب الفلسطيني في غزة معني بالقرار الدولي، وإنقاذ الشعب الفلسطيني مسئولية عربية وإسلامية بالدرجة الأولى وليست مسئولية (حماس) والفصائل الجهادية ؟ وحدها ؟ التاريخ سيحاسبنا غداً، سيحاسب العرب والمسلمين ؟ جميعاً ؟ إذا لم نسارع إلى حماية الشعب الفلسطيني.

إنقاذ روح عربية بريئة واحدة مسئولية عربية وإسلامية بغض النظر عن السلطة الحاكمة والمسيطرة فما بالك بآلاف الأبرياء؟ لقد سعى العرب إلى استصدار القرار الدولي وقد نجحوا، وهذا النجاح أعاد الثقة العربية المهزوزة إلى دور مجلس الأمن كآلية دولية للحفاظ على الاستقرار والسلام وحماية الآمنين، ولكن التطبيق الكامل لهذا القرار وإرغام إسرائيل على وقف عدوانها، هما من مسئولياتنا.

لقد سقط في هذه الحرب رهانات كثيرة وتبددت أوهام كبيرة، فلن تستطيع المقاومة ؟ والمقاومة حق مشروع ولكنها مسؤولية ؟ مهما أطلقت من صواريخ أو فجرت انتحاريين، من تغيير معادلة القوة أو قلب الطاولة إذا كان الثمن الباهظ سيدفعه الأبرياء الذين لا ذنب لهم، ومن هنا فإن المراهنة على تصاعد عدد القتلى والجرحى، مراهنة غير مقبولة اليوم.

ومن ثم لن تجد فصائل المقاومة خياراً أفضل من المصالحة الوطنية ووحدة الصف الفلسطيني التي هي الضمان والأمان لها دون التعويل على الضمان الخارجي، ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل واهمة إذا ظنت أنها بآلتها الحربية تستطيع أن تقضي على روح المقاومة الفلسطينية، ولم تستطيع إسرائيل حتى اليوم وقف الصواريخ، الأمر الذي سيجعل الناخب الإسرائيلي غداً يسائل القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية: لماذا هذه الحرب التي كبدتنا الخسائر وأحرجتنا أمام العالم؟

ختاماً: هذا يوم حققت فيه العرب نصراً سياسياً دبلوماسياً مؤزراً في المحفل الدولي، فتحية للعمل العربي المشترك ؟ وتحية وتقدير للصمود البطولي للشعب الفلسطيني في غزة، كان الله في عونهم وعوض صمودهم خيراً ورحم شهداءهم.