خيرالله خيرالله

في حال كان المجتمع الدولي جدّيا في وقف العدوان الوحشي الذي يتعرض له اهل غزة، فان الطريق الاقصر الى ذلك يتمثل في ارسال قوات دولية الى القطاع. مثل هذه القوة تحمي الشعب الفلسطيني من ارهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل كما تحمي الفلسطينيين في القطاع من فوضى السلاح التي لم تجر عليهم سوى المآسي المتتالية، خصوصا منذ العام 2005 حين نفّذت إسرائيل انسحابا من جانب واحد من غزة اصرت فيه على تفادي التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف اضعافها ليس الا. ستشكل القوات الدولية، في اسوأ الاحوال، حاجزا في وجه معاودة العدوان الإسرائيلي من جهة كما ستحمي الفلسطينيين من السلاح عن طريق وقف تدفقه عبر الانفاق التي حفرت على طول الحدود بين غزة والاراضي المصرية من جهة اخرى.
ستكون للقوات الدولية اهمية رمزية نظرا الى انها ستؤكد ان المجتمع الدولي مهتم بالشعب الفلسطيني وقضيته ولن يتركه تحت رحمة حرب الابادة التي تشنها إسرائيل على غزة والغزاويين. ولكن ما قد يكون أهم من القوات الدولية وجود رغبة فلسطينية في إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بعيدا عن الشعارات المضحكة التي ترفعها quot;حماسquot; من نوع إزالة إسرائيل من الوجود او الصواريخ التي لا وظيفة لها سوى تبرير الاعتداءات على الفلسطينيين فيما العالم في موقف المتفرج، بل وللأسف الشديد المتفهم للوحشية الإسرائيلية.
على هامش المأساة التي تشهدها غزة حاليا، لا بد من ملاحظة سلسلة من الامور في مقدمها ان الهدف من اعلان quot;حماسquot; الانتهاء مما كان يسمى quot;التهدئةquot;، كان استخدام غزة في هجمة إيرانية- سورية على مصر شكل افضل تعبير عنها الخطاب الذي القاه الامين العام لquot;حزب اللهquot; السيّد حسن نصرالله الذي دعا المصريين، بما في ذلك القوات المسلحة، الى فتح معبر رفح بالقوة. وقد أظهر ذلك، ان الإيرانيين لا يعرفون شيئا عن مصر او عن ردود فعل المصريين عموما على مثل هذا النوع من الدعوات.
هناك امر آخر كشفته الحرب التي تتعرض لها غزة. كشفت ان الفلسطينيين شعب واحد وأن تكريس الانقسام بين الضفة والقطاع ليس واردا. دعمت السلطة الوطنية بكل رموزها، من الرئيس محمود عبّاس، الى محمد دحلان، غزة بكل ما تستطيع على الرغم من كل ما ارتكبته quot;حماسquot; في القطاع. وبدا جليا ان كل فلسطيني يشعر وكأنه يتعرض لعدوان تشنه إسرائيل عليه وعلى افراد عائلته.
ما لا بدّ من ملاحظته ايضا ان حماية الفلسطينيين من انفسهم تتطلب وقف تهريب السلاح الى القطاع والعمل جديا على اعادة غزة الى كنف الشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية. وما لا بدّ من ملاحظته اخيرا ان ليس في الامكان الاستغناء عن مشروع وطني فلسطيني مقبول من المجتمع الدولي يستند الى قرارات الشرعية الدولية وإلى الاتفاقات التي توصلت اليها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل وغير إسرائيل في السنوات الاخيرة.
ثمة حاجة الى بعض المنطق. الكلام عن مجزرة تتعرض لها غزة وعن ضرورة وقف العدوان فورا لا يفيد في حال لم يكن مقرونا بموقف فلسطيني موحد بعيد عن اي نوع من المزايدات والشعارات. وحده مثل هذا الموقف، الذي يؤكد رفض الصواريخ العشوائية، يعيد الحياة الى المشروع الوطني الفلسطيني الذي يستهدف اقامة دولة مستقلة quot;قابلة للحياةquot; عاصمتها القدس الشرقية.
في الإمكان الانطلاق من احداث غزة لإعادة الحياة الى المشروع الوطني الفلسطيني. ولا شك ان ارسال قوات دولية الى القطاع في اطار قرار جديد لمجلس الامن يمكن ان يشكل مدخلا لجعل القطاع واحة سلام ونموذجا لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مسالمة تضم الضفة الغربية وغزة على ان يربط بينهما ممر آمن.
من هنا ثمة واجب عربي يتمثل في تسمية الاشياء بأسمائها. يفرض هذا الواجب على العرب عقد لقاء قمة والاعلان صراحة ان على الفلسطينيين ان يتوحدوا وأن عليهم ان لا يخرجوا عن الصف العربي. ما هذه المفارقة المتمثلة في ان العرب يحاولون حاليا الترويج لمبادرة السلام التي اقرت في قمة بيروت في العام 2002، فيما تعتنق quot;حماسquot; لغة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الذي يطالب بإزالة إسرائيل عن خريطة الشرق الاوسط.
نعم، من واجب العرب عمل كل شيء من اجل وقف العدوان وفتح المعابر ورفع الحصار عن غزة. لكن من واجبهم في الوقت ذاته تذكير quot;حماسquot; بأن الاجندة الوطنية الفلسطينية والاجندة العربية هما السقف الوحيد الذي يمكن العمل تحته. هذا هو السقف الذي لا يمكن لquot;حماسquot; ولا لغير quot;حماسquot; تجاوزه في اي شكل. المدخل لكل ذلك القرار الدولي الجديد الذي يأتي بالقوات الدولية. القوات الدولية مطلب وطني وخطوة اولى لإعادة الحياة الطبيعية الى غزة ومنع استمرار استخدامها من المحور الإيراني- السوري في مشروع لا هدف له سوى المتاجرة بالفلسطينيين وأستخدتمهم وقودا في معارك لا علاقة لهم بها. منذ متى صارت غزة quot;قاعدةquot; للإنقضاض على مصر؟
من واجب العرب مساعدة الفلسطينيين على تجاوز المحنة. من واجبهم اولا امتلاك المبادرة والقول ان فلسطين لا تزال قضيتهم الاولى وأن من حقهم إعادة اهل القضية الى جادة الصواب متى حادوا عنها.