عبدالخالق عبدالله

أكد الشارع العربي، الذي كان كامناً وفي حالة بيات شتوي لفترة من الوقت وتسرع البعض في إعلان وفاته، أنه حي يرزق وفي كامل عافيته وحيويته وراغب في إرسال مجموعة من الرسائل كتعبير عن سخطه وغضبه الشديدين تجاه العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; السافر، والموقف الأمريكي المبالغ في دعمه للجرائم ldquo;الإسرائيليةrdquo;، والموقف الرسمي العربي المتردد في دعم صمود المقاومة في غزة.

تعبر الرسالة الأولى عن تأييد المقاومة ودعم الصمود وتعاطف مع الشعب العربي في فلسطين. فالشارع العربي يرى ويسمع ويتابع ويشاهد ويتفاعل مع مأساة أهل غزة ويعتصر ألماً لضخامة معاناتهم. كل عربي ومسلم وكل صاحب ضمير يقول ldquo;قلوبنا معكم، وأرواحنا فداكم، والله ينصركم ويصبركم ويقويكم ويزيدكم صموداً في وجه العدوان الصهيوني الظالمrdquo;.

أما الرسالة الثانية فهي رسالة تحذيرية موجهة إلى الحكومات العربية الأسيرة لحساباتها السياسية الضيقة. تقول هذه الرسالة إن على هذه الحكومات أن تعيد النظر في اعتباراتها وتراعي مشاعر الشارع العربي الذي لم يعد يحتمل المزيد من التخاذل والتردد واللامبالاة تجاه العدوان، وعليها أن تتحرك من أجل تقديم المساعدات السياسية والعينية والمعنوية العاجلة لتخفيف معاناة أهل غزة. كل عربي غاضب ينادي الحكومات العربية ldquo;كفى تردداً، وكفى تخاذلاً، وكفى الأخذ في الاعتبارات والحسابات الهزيلة، وكفى مشاركة في الحصار، وعيب عليكم جميعاً رفع الراية والاستسلام للأعداءrdquo;.

وتحمل الرسالة الثالثة الموجهة من الشارع العربي، مشاعر الكراهية العميقة للكيان الصهيوني الذي بالغ في قسوته وتجاوزت جرائمه الحدود والقيم الإنسانية كافة. ربما لن يتمكن الشارع العربي من وقف العدوان العسكري، لكن من المؤكد أن الثمن السياسي لهذا العدوان سيكون باهظاً. فrdquo;إسرائيلrdquo; على وشك أن تخسر المعركة السياسية وتفقد تفهم الرأي العام العالمي الذي استثمرت فيه كثيراً، وتحرص كل الحرص على أن يقف إلى جانبها. الشعب العربي يقول ldquo;إن العداء لrdquo;إسرائيلrdquo; مبدئي وأبدي والكراهية للصهيونية تتضخم في قلب كل عربي مع مطلع كل يوم جديدrdquo;.

ثم هناك رسالة غاضبة رابعة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم جريمة الإبادة التي تتم بقسوة وبقلب من شيطان ضد أكثر من مليون ونصف المليون من الشعب العربي في قطاع غزة المخنوق والمحاصر منذ 18 شهراً. كل عمل إجرامي تقوم به ldquo;إسرائيلrdquo; يتم تنسيقه ومن ثم تسويقه عبر واشنطن. هذه المعركة وغيرها من المعارك ldquo;الإسرائيليةrdquo; بدأت وانتهت بضوء أخضر أمريكي.

كان حصار غزة مقدمة لعمل عسكري مخطط ldquo;إسرائيلياًrdquo; وأمريكياً. وكذلك الأمر بالنسبة للقصف الجوي الأهوج في 27 ديسمبر 2008 الذي لا يزال مستمراً بمعدل هجوم واحد كل 20 دقيقة على مدار الساعة. ثم بدأ الهجوم البري الواسع في 3 يناير/ كانون الثاني 2009 بتفهم أمريكي والذي دمر البساتين والمزارع والقرى والمخيمات والمرافق الحيوية وما تبقى للقطاع من بنية تحتية وسكنية. وصاحب كل ذلك قصف مدفعي عبثي دمر حتى الآن 17 مدرسة بما في ذلك المدرسة الدولية الأمريكية، و8 مساجد ومبنى الجامعة الإسلامية، وأدى إلى تعطيل الحياة ووقف نشاطات منظمات الأمم المتحدة في مخيمات قطاع غزة التي يسكنها أكثر من 900 ألف لاجئ، يشكلون أكثر من 60% من سكان قطاع غزة. لقد أدى هذا الإفراط في استخدام القوة والقسوة إلى قتل أكثر من 900 شهيد، أي بمعدل 64 شهيداً في كل يوم على مدار الأسبوعين الماضين، 40% منهم من الأطفال والنساء الأبرياء.

لا يمكن أن يبدأ ويستمر مثل هذا العدوان الظالم من دون دعم وتفهم الإدارة الأمريكية. لقد أعطت واشنطن الضوء الأخضر للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ووفرت إدارة بوش الحمقاء الغطاء السياسي والدبلوماسي، وأمريكا مصرّة كل الاصرار على وضع اللوم كل اللوم على الطرف الفلسطيني وإعفاء الطرف ldquo;الإسرائيليrdquo; من المسؤولية وتبرئته من الجريمة.

هذا الموقف المبالغ في انحيازه ودعمه السياسي يجعل الولايات المتحدة شريكاً كامل الشراكة في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة الصابرة على مأساتها، والصامدة في وجه القسوة الأمريكية وrdquo;الإسرائيليةrdquo;. لذلك لا بد أن يتجه غضب الشارع العربي نحو سياسات واشنطن والرئيس بوش الذي سيغادر البيت الأبيض في نهاية هذا الأسبوع غير مأسوف عليه.

ربما سيحقق العدوان الأمريكي ldquo;الإسرائيليrdquo; المزدوج على غزة بعضاً من النصر العسكري. هذا الأمر قائم بحكم فارق توازن القوة بين الآلة العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; الجبارة والمتغطرسة وتواضع صواريخ القسام وأسلحة المقاومة التقليدية في فلسطين.

لكن الثمن السياسي لهذا النصر العسكري سيكون باهظاً جداً وسيبقى عالقاً في ذاكرة الشعوب العربية طويلاً وهي تتابع المشاهد المروعة والحية على الفضائيات العربية على مدار الساعة. إن الحصيلة الأولية لهذا العدوان حتى الآن هي زيادة الكراهية والعداء للولايات المتحدة في المنطقة العربية. فصورتها البائسة ازدادت بؤساً. وسمعتها السيئة ازدادت سوءاً. أما شعبيتها المتدهورة فقدت ازدادت تدهوراً حتى بين الحكومات المعتدلة والصديقة لواشنطن في المنطقة والتي تواجه غضب الشارع العربي تجاه تقاعسها وترددها في اتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية حاسمة بما في ذلك عقد قمة عربية رمزية عاجلة.

لذلك هناك رسالة مهمة وأخيرة لا بد أن توجه من الشارع العربي إلى الرئيس الأمريكي القادم باراك أوباما تؤكد ضرورة أن تكون مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة مبدئية وليست سياسية، وتصطف مع العدالة وليس مع الجريمة، وتكف عن تكرار اسطوانة لوم الطرف الفلسطيني وتبرئة المجرم ldquo;الإسرائيليrdquo;.

فإذا رغب الرئيس المنتخب أوباما الذي بدأ بتصريح إيجابي عندما أعرب عن ldquo;قلقه الشديد تجاه قتل المدنيين الأبرياء في غزةrdquo;، في كسب ود الشارع العربي وتخفيف مظاهر العداء لأمريكا، وإصلاح صورتها البائسة، ووقف سوء الفهم القائم بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي، فإن الطريق إلى كل ذلك يمر عبر إعطاء الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; الأولوية منذ اليوم الأول من رئاسته، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس.

الشارع العربي هو اليوم في مزاج متشدد وغاضب، حيث تحول 90% من المعتدلين إلى متشددين وغاضبين من العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; والسياسات الأمريكية ومواقف بعض الحكومات العربية. الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; سيستمر وسيدخل مرحلته الثالثة وسيكون الدمار الإنساني والمدني فاجعاً، والمؤكد أن الشارع العربي سيزداد غضباً وربما تطرفاً بل وعنفاً، وهو ما لا يرغب فيه كل من يهمه أمن واستقرار المنطقة العربية على المديين القريب والبعيد.