شربل بركات

كان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1996 والذي قاد لاحقاً إلى انسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان وبعد ذلك من غزة مؤشراً إلى تغيُّر في شكل الحروب التي خاضتها إسرائيل مع الحركات المسلحة العربية.

هناك من يقول إن مجرد حدوث اعتداء إسرائيلي على غزة هو بذاته انتصار لحركة حماس. واصحاب هذا الرأي يستشهدون بنتيجة الحرب الاسرائيلية على لبنان في عام 2006، وبتقرير فينوغراد... بل ويقولون ايضاً إن أي حرب إسرائيلية جديدة على laquo;حزب اللهraquo; ستشكل انتصارا جديدا لهذا الحزب.

أسباب هذا اليقين، متعددة ومعقدة، منها طبيعة وبنية هذه الحركات، وأساليبها في القتال، والشرعية المعنوية والسياسية والأخلاقية وlaquo;الدينيةraquo; التي يمنحها اياها الاعتداء الإسرائيلي، والتضامن المعنوي والمادي الذي تلقاه من المحيط الى الخليج وعلى امتداد العالم الاسلامي لعزفها على العصبيات القومية والدينية، اضف الى ذلك وجودها دائما في موقع الدفاع واستحالة القضاء عليها وابادتها لالتصاقها بالمدنيين، إلى جانب الخلل الكبير في ميزان القوى بينها وبين اسرائيل، مما يجعل اي صمود، مهما كان قصيرا، انتصارا غير مسبوق، والخسارة التي تلحق بالعدو، مهما كانت ضئيلة، خسارة فادحة. ولا تنفع هنا مقارنة اعداد الضحايا من الطرفين، فاعتُبرت حرب يوليو 2006 انتصارا laquo;تاريخياraquo; لـ laquo;حزب اللهraquo; رغم سقوط اكثر من 1200 شهيد لبناني مقابل 198 اسرائيلياً.

آخرون يقولون إن اسرائيل لا يمكن ان تتقبل ولو خسارة استراتيجية واحدة، وذلك يعود ايضا الى اسباب متعددة ومعقدة، منها طبيعة الدولة الاسرائيلية وظروف نشأتها، وهاجس الوجود الذي يحكم السلوك الاسرائيلي، والدعم الدولي غير المحدود وغير المشروط الذي تتمتع به.

وبين هاتين الاستحالتين، استحالة القضاء على هذا النوع من الحركات المسلحة، واستحالة تعرض اسرائيل لهزيمة استراتيجية، تندرج المعركتان، اللتان خاضتهما اسرائيل بعد عام 2000، اي بعد انسحابها من جنوب لبنان، والذي استتبعه انسحاب من قطاع غزة.

وفي هذا السياق، يمكننا ملاحظة الفرق بين الحرب التي خاضتها اسرائيل ضد منظمة التحرير الفلسطينية في laquo;فتح لاندraquo; جنوب لبنان، والتي افضت الى اتفاق اوسلو، وتشكُّل نواة الدولة الفلسطينية المستقلة، وكان ثمنها احتلال جنوب لبنان لعشرين عاما، وملاحقة البنية العسكرية للفلسطينيين حتى بيروت، ومن ثم طردها من لبنان الى تونس، وبين المعركة التي خاضتها اسرائيل ضد laquo;حزب اللهraquo;، وأفضت الى ترتيبات امنية في اطار القرار الاممي 1701 وثبتت اقدام laquo;حزب اللهraquo; في الجنوب، والمعركة المتواصلة في غزة ضد laquo;حماسraquo;، التي يبدو من المعطيات انها ستنتهي ايضاً بترتيبات امنية ضمن آلية تنفيذ القرار 1860، وستقوي laquo;حماسraquo; في غزة.

وبهذا المعنى، يؤكد الخبراء ان الجيش الاسرائيلي لن ينفذ ابدا المرحلة الثالثة من هجومه على غزة، لان هذه المرحلة تتضمن احتلالا لبعض أجزاء القطاع لمدة زمنية محددة، ويؤكد هؤلاء ان اسرائيل تخلت نهائيا عن مبدأ احتلال اراض فلسطينية او لبنانية طالما في استطاعتها الحصول على ترتيبات امنية من القوى المسلحة التي تسيطر على laquo;خطوط التماسraquo;.

وفي هذا الاطار، يشير المراقبون الى ان جبهة laquo;فتح لاندraquo; كانت مشرعة لكل الفصائل التي تريد اطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات، في حين ان جبهة laquo;حزب اللهraquo; محتكرة ولا يمكن لأي كان التصرف الا بأمر من الحزب، وبالتالي تجد اسرائيل نفسها امام مفاوض واحد، وكذلك الامر في غزة حيث منعت laquo;حماسraquo; بالقوة الفصائل الاخرى من اطلاق الصواريخ، طوال ستة اشهر من التهدئة.

ويشدد المراقبون على ان افق الحرب بين laquo;منظمة التحريرraquo; واسرائيل كان إعادة فلسطين الى الخارطة، وتشكيل نواة الدولة الفلسطينية، بينما الآفاق السياسية لمعركتي laquo;حزب اللهraquo; وlaquo;حماسraquo; آفاق داخلية، مرتبطة بالصراع على السلطة، ولا تؤثر في مجرى القضية الفلسطينية.

ويقول المراقبون إن احد اهداف اسرائيل الاستراتيجية من معركة غزة، هو الابقاء على الانقسام السياسي والجغرافي بين الفلسطينيين، وبالتالي فإن اي ترتيبات امنية وسياسية توافق عليها اسرائيل لوقف الحرب ستتضمن عناصر لتعزيز هذا الانقسام وتثبيته، ولذلك فإن القضاء على laquo;حماسraquo; كليا هو خط احمر اسرائيلي، وبناء عليه فإن احتمال تدخل laquo;حزب اللهraquo; المشروط بانتكاسة عسكرية كبيرة لـ laquo;حماسraquo; في المعركة، هو صفر.