حلمي شعراوي
قد لا يتوقع الكثيرون انعقاد القمة العربية الاقتصادية في الكويت في الأسبوع الثالث من يناير 2009 كما هو مقرر منذ أكثر من عام، وذلك بسبب الظروف المأساوية التي تمر بالشعب الفلسطيني والعرب عموماً بل والموقف المأساوي للعرب في العالم. لكن عدداً غير قليل ممن قابلتهم في اجتماعات تحضيرية عديدة تعقد هذه الأيام حول قضايا هذه القمة يتوقعون انعقادها على أساس آخر هو أن القمة قد تبتعد من السياسة المباشرة التي أفشلت المحاولة الأخيرة لعقدها مع أحداث فلسطين لتجعل السبب الاقتصادي غطاء للقضايا السياسية والاقتصادية على السواء، وخاصة أن جوهر الأزمة المالية العالمية بالنسبة للعرب، ينعكس في طابع سياسي! إذ العرب محاصرون بخيبات السياسة والاقتصاد، في ملعب واحد، يقتضي أن يكون اللاعبون فيه على مستوى القمة، إما لإنقاذ موقفهم الجماعي إزاء فلسطين أو إنقاذ أموالهم من آثار الأزمة المالية.
ومن هنا كانت مداخلاتي دائماً في الحالتين بالتساؤل عن وضع العرب ككتلة بالنسبة للتكتلات الدولية الأخرى ومدى ألفة العرب بأساليب التعامل مع هذه الكتل لمضاعفة وزنهم إزاء فشلهم في التعامل مع quot;المركز العالميquot; الأميركي أو الأوروبي عموماً في مجلس الأمن، أو إزاء العنف الإسرائيلي الذي لا يبالي بوجود العرب.
ونعرف جميعاً أن التحرك الطارئ لا يجدي كثيراً، لأن الفضاءات المحيطة بالعالم العربي، وإمكانياتها معروفة منذ عقود، ونبه إليها الكثيرون حتى تنفع في quot;اليوم الأسودquot; الذي تكرر كثيراً في الحياة العربية! وهذه الفضاءات هي ما نسميها quot;دول الجوارquot; وأسميها هنا quot;كتل الجوارquot; التي تفتقد معها quot;الحوارquot; بشكل دائم اكتفاء بحوارات برشلونة أو مشروعات الشرق أوسطية والمتوسطية بقيادة بوش أو ساركوزي!
ولعل القمة الاقتصادية بالذات هي الأكثر حاجة لإثارة مسألة quot;كتل الجوارquot; هذه، وأمامنا درس واضح في ارتباط مرحلة النهوض الاقتصادي للصين واليابان وماليزيا والبرازيل، بالتوجه المباشر لتنظيم العلاقة مع quot;كتل الجوارquot; ومنها quot;الكتلة العربيةquot; نفسها. وقد كنا دائماً في العقد الأخير على الأقل quot;مدعوينquot; لأي منها دون أن نفكر في أن نكون الداعين! ومن هنا يبدو موقفنا صارخاً عندما نحتاج للتضامن العالمي في مثل حالتنا إزاء فلسطين، بل وأقول في مثل حالتنا ونحن نريد مخرجاً آخر للأموال العربية.
والتأمل في جدول أعمال القمة الاقتصادية العربية المحتملة، يثير الكثير من الشجن إزاء تأخرنا في معالجة قضايا quot;الحوار مع كتل الجوارquot;، والتركيز على بحث المبادرات الغربية وحدها، وهي ذات أطماع واضحة في ثرواتنا وليس في مواقفنا أو فلسفاتنا مثلاً. ولعلها فرصة لأن نثير هنا بعض القضايا التي تتطلب من الخبراء العرب أن يقرنوها بطبيعة الموقف من quot;كتل الجوارquot;، لأنه لا تنقصهم الخبرة بها في ذاتها أو علاقتها بالسوق العالمي.
وإذا ما أخذنا أبسط القضايا صياغة وأكثرها وضوحاً، مثل أزمة الغذاء العالمي وأثرها على الجماهير العربية نفسها، فلابد أنها ستحتاج لموقف موحد مع الأفارقة الذين يصرخون من مشروطيات الزراعة الأوروبية وإشكالية الأسمدة والبذور ودعم المواد الغذائية الأوروبية نفسها، ناهيك عن ضرب أسعار محاصيل مواد رئيسية مثل القطن والكاكاو... الخ. إن ذلك يستدعي معالجة الشجون الأفريقية مقترنة بإمكانياتنا وحاجة شعوبنا الفقيرة نفسها. وهنا تبرز طبيعة الموقف العربي في اجتماعات منظمة التجارة العالمية، والحاجة إلى مناقشة وضعنا في هذه المنظمة بموقف موحد في اجتماعات الكويت.
وقس على ذلك مطلب quot;العدالةquot; في شروط التجارة الدولية وأسعار المعادن والمحاصيل والمنتجات الصادرة عن بلدان العالم الثالث عموماً وعليها معالجات ممتازة في quot;مجموعة الـ 77quot; ومؤتمر التجارة والتنمية الدولية (أونكتاد)، بل ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية نفسه. وإذن فمعظم القضايا الاقتصادية يتمحور حول واحدة منها كما رأينا وهى مشكلة الغذاء أو الأمن الغذائي... إلخ، ويبرز منها الدور العربي الذي يمكن أن يقوم بتقديم حلول متميزة بشأنها مستعينين بالثروة العربية، وبمساحات الأراضي الزراعية العربية وفي مقدمتها أراضي السودان الذي وصف يوماً بأنه quot;سلة غذاء العربquot; وإذ به يتقبل الآن quot;المساعدات الغذائيةquot; في دارفور وغيرها...
إن من فساد الرؤية أحياناً أن يتصور المرء نفسه مركزاً للكون وحده أو ينكفئ على ذاته فلا يرى شيئاً.. وأخشى أحياناً أن تكون هذه هي صورة العرب عن أنفسهم بحيث لا يقدرون رؤية الآخر في تفاعلها من أجل المصالح الأساسية، وقد كانت مؤتمرات quot;باندونجquot; وتجمعات العالم الثالث عموماً، فترة تدريب مهمة لرؤية الآخر، لا أعتقد أنها كانت دون جدوى، فقد كبرت فيها دول، وتعلمت أخرى، لكن انكفأ البعض الآخر أيضاً على ذاته، والحالات الثلاث قائمة على المستوى العربي. لكننا لا نستطيع بحال تجاهل قيمة انفتاح العالم العربي على العالم كله بفضل انفتاح الرؤية السياسية والاقتصادية فيه على آخرين متعددين لعدة عقود. ولم تحدث quot;الانكماشةquot; الهائلة إلا مع تصورنا أننا quot;أكثر انفتاحاًquot; على الغرب والسوق العالمية وحدها، فحاصرتنا quot;الرأسمالية العالميةquot; خارجياً. وهذا الحصار للذات العربية وعلاقاتها في العالم هو ما نخشى من أثره على الاجتماع القادم quot;للقمة العربيةquot; سواء على أساس سياسي أو اقتصادي.
إنني أتصور أن تكون العلاقة مع كتل الجوار، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من أبرز نقاط جدول أعمال القمة العربية المتوقعة، حتى في زواياها الاقتصادية على رغم أهمية quot;السياسيquot; الذي سيأتي وحده، لأنه لا اقتصاد اليوم بدون سياسة، quot;والاقتصاد السياسيquot; هو سيد العلوم الآن.
وأخص بالذكر هنا مناشدة القمة العربية وأجهزة الجامعة العربية أن تجعل الدعوة لعقد المؤتمر الثاني للقمة العربية- الأفريقية على رأس جدول أعمالها (وكانت الأولى في مارس 1977 وتأخرت بسبب مشاكل عربية طوال الوقت). ومؤتمر القمة العربية- الأفريقية الثاني، لا يتطلب أن يكون لقضايا سياسية على نحو ما ساد المؤتمر الأول، بل إننا هذه المرة أمام quot;الاقتصادياتquot; تحديداً ولسنا أمام السياسي. فالأمر السياسي يتعهده عدد من الدول الأفريقية حول quot;الوحدةquot; بالأساس، ولذا فالهم الأول لأي اجتماع مشترك وفعال سيكون القضايا الاقتصادية، ومن هنا فإن إقرار مبدأ الاجتماع العربي- الأفريقي من خلال مؤتمر اقتصادي عربي سيكون ذا دلالة حقيقية.
التعليقات