وفيق السامرائي

ليس معقولاً تصور وجود تصميم فلسطيني لإدارة الحرب على أساس تفادي القتال في المناطق المبنية، تفادياً للخسائر البشرية، بسبب الخلل الهائل في موازين القوى. ولو صممت إسرائيل خططها على أساس اقتحام مدن غزة لأصبح تصميمها مثلاً عسكريا تاريخياً في الانتحار، ولتكبدت قواتها من الخسائر البشرية، ما لم تتكبده في كل حروبها مع العرب، التي لم تصل الى ثلاثة آلاف قتيل منذ تأسيس دولة إسرائيل. ولحصلت كارثة بشرية فلسطينية، ولسقطت حكومة تل أبيب. وذلك لكثرة عدد مقاتلي حماس والفصائل الفلسطينية، وتخندقهم في المدن، وصلاحية ميدان القتال لاستخدام مثالي لأسلحة مقاومة الدبابات القصيرة المدى والعبوات الناسفة والتفخيخ..
طبقاً لهذا التصور المفترض عدم غيابه عن رؤية الطرفين، صمم مخططو الجيش الإسرائيلي خططهم على أساس شن حرب استنزاف لموارد حماس من العتاد، وليس السلاح، لأن السلاح الفردي لا يستنزف، واستنزافه يعني استنزاف عدد المقاتلين. ولتحقيق عملية الاستنزاف صممت خطط الفصل والتجزئة والتطويق والعزل والاشتباك من حدود معينة، لإرغام قوات حماس على إطلاق النار لاستنفاد عتادها، ولعل أفضل ما يؤكد هذا التصور الايجازات التي يقدمها رئيس الاستخبارات العسكرية، التي تشير الى شح العتاد الفلسطيني غير القابل للتعويض. وهو أم مشاكل حماس.
أما المخطط الفلسطيني فجل أفكاره يعول على المطاولة في تحمل الضربات وامتصاص الهجمات الإسرائيلية، ومحاولة ضبط الوضع الداخلي، الذي يتعرض لضغوط متعددة، والاقتصاد التام بصرفيات العتاد، فكلما شح العتاد تقلصت قدرة البقاء وتراجعت المطالب المطروحة في جلسات التفاوض، وظهور التشدد المستمر ليس إلا عضاً على الإصبع لانتزاع ما يمكن انتزاعه من عناصر البقاء.

فلسفة العبوات

حتى الآن، لم تظهر الفصائل الفلسطينية براعة في استخدام العبوات الناسفة، وما قيل عن تفجيرها أقل من أربعين عبوة على مدى اسبوعين من الحرب، تجاه المدرعات الإسرائيلية، كان يحصل في يوم واحد على الساحة العراقية عام 2006، ما يدل على قلة المخزون الفلسطيني منها، وربما يكون الإسرائيليون قد وجدوا وسائل الكترونية لتحييدها، أكثر كفاءة من تلك التي استخدمت من قبل القوات الأميركية في العراق، كما أن الحذر الإسرائيلي مقارنة بالتحركات الأميركية يقلل من مجالات استخدام العبوات. ومع أن تصنيع العبوات يعتبر بسيطاً بالنسبة للبدائية منها، فإن مكونات تصنيع العبوات الحساسة، المضادة للدروع تبقى معلوماتها في حوزة المصنعين (الإيرانيين).

آ ر بي جي 29

لدى حماس عدد غير معروف من القاذفات المضادة للدبابات من طراز آر بي جي 29، وهي نسخة معدلة من الرقم 7، ويزداد تأثيرها في حالات الاشتباك القريب، وهو ما لم يحصل بوضوح حتى الآن، لكن من المتوقع استخدام هذه القاذفات خلال الاشتباكات المقبلة، وبما أن حماس تمكنت من الحصول على هذا العدد المطلق من صواريخ غراد وكاتيوشا، فلا بد أن تحتفظ بآلاف من صواريخ آ ربي جي. وهي سلاح يكتسب أهمية خاصة في قتالات المدن والاشتباكات القريبة.
كلما مر الوقت تزايدت الضغوط السياسية على إسرائيل، إلا أنها تبقى ضغوطاً خارج ميادين القتال، فيما تعاني حماس والفصائل الأخرى معضلة شح العتاد والاستنزاف اليومي،وإذا لم يكن خزينها منه كبيراً، فالوقت يمضي في مصلحة خطط الطرف الآخر، وتبدو الحال هكذا.