عبد الرحمن الراشد

القصة أن إيران، ضمن حماسها الاستعراضي، أخيرا باضت بيضتها، وأرسلت سفينة محملة بالمساعدات إلى غزة، إلا أنها استدارت سريعا عندما رأت البوارج الإسرائيلية، على الرغم من أنها على بعد 45 ميلا من غزة، أي بعيدا جدا عن حدود مياه غزة وإسرائيل الدولية. لم تثبت، ولم تواجه، ولم تحاول، وبالتأكيد لم تنتحر، بل رحلت سريعا. وكل ما قالته إيران إنها أصدرت تصريحا يستنكر ما فعلته البوارج الإسرائيلية، كما لو أن إسرائيل تكترث بالتصريحات الإيرانية.

القصة الأهم أن التصريح الإيراني ذكر أن حكومة الرئيس أحمدي نجاد ستطلب من مصر مساعدتها في إدخال التبرعات الإيرانية إلى غزة، في نفس اليوم الذي كانت تكيل جماعة حكومته الشتائم للمصريين وتحرض على قتل الرئيس حسني مبارك شخصيا مقابل مليون ونصف المليون دولار. هذه أحداث حقيقية لا تحتاج إلى الكثير من التفكير لفهم طبيعة الأزمة، حيث يشترك في الجريمة مع إسرائيل إيران ورفاقها في المنطقة، الذين يعتقدون أن العدوان على غزة يمنحهم فرصة لتوظيفه في محاصرة المصريين والسعوديين والأردنيين وبقية الدول التي يستهدفونها بمشروعهم السياسي.

الأزمة واضحة؛ فريق إيراني يوجه نيرانه باتجاه دول عربية في ظل النيران الإسرائيلية على غزة. سيل من الشتائم والتهديدات والخطب والندوات مكرسة ضد المجموعة العربية، متجاهلين أهل غزة إلا من البيانات الكلامية.

لكن لماذا تستهدف إيران دولا مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت وغيرها، تهاجمهم بدعاوى هي نفسها وحليفتها سورية لم تقلا أكثر منه، أعني الشجب؟ هل هي مجرد حالة غضب، أم خلاف سياسي، أم تصفية حسابات قديمة، أم محاولة لزعزعة الأنظمة العدوة لها؟

ربما كل ما سبق يبرر الهجوم الإيراني على العرب، لكن هناك معركة كبيرة تسبق دخول الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما تريد أن تبلغه من هي القوى الحقيقية في المنطقة. الرسالة أنه، على باراك أن يتعامل مع إيران على أنها شرير المنطقة وشرطيها معا، أن يقبل بمشاريعها من السلاح النووي والهيمنة على العراق ولبنان. قامت في الماضي بتوريط لبنان في مواجهة مدمرة مع إسرائيل بخطف جنديين إسرائيليين، انتهت بإعلان حزب الله النصر، وقتل وجرح آلاف اللبنانيين، ونزع سيادة لبنان البحرية والحدودية، حيث صار يحظر على مقاتلي حزب الله دخول ثلاثين كيلومترا في أراضيهم اللبنانية. وقد حولت إيران ورفاقها المأساة اللبنانية إلى حفلة شتائم ضد نفس الدول العربية.

نفس السيناريو يتكرر اليوم سطرا بسطر. إيران تعتقد أن قتل ألف فلسطيني في غزة ثمن بخس في سبيل إقناع واشنطن بالتعامل معها في ملفاتها. والمؤسف أن العديد لا يرون النتيجة شراكة إيرانية إسرائيلية، طرف يريد معركة، والثاني يسعد بها، النتيجة هي جرائم غزة الخطيرة، ثقوا أنكم سترون المزيد منها. فالدم العربي رخيص للمساومات الإيرانية والانتخابات الإسرائيلية.