حسام عيتاني

بمزيج من أنصاف الإجابات وأرباع المواقف وبغموض مقصود، ترد إيران على مبادرات واقتراحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الغربية. وبدلا من الإجابات المباشرة على الأسئلة المباشرة، تلجأ طهران إلى تناول قضايا الأمن العالمي والهيمنة الإمبريالية وما شاكل من مسائل لا تتصل ببرنامجها النووي، الذي ما زالت تقول انه يخضع لاتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية.

سلوك كهذا أثار استياء المدير العام للوكالة محمد البرادعي الذي يتعرض بوتيرة يومية تقريباً إلى اتهامات في وسائل الإعلام الغربية بمساندة إيران وتوفير الغطاء لتجاوزاتها التزاماتها حيال الوكالة. والأهم أن معدل التذاكي في الردود الإيراني أغضب روسيا التي ما زالت الحليف الوحيد لإيران من بين الدول الكبرى (حسابات الصين مختلفة في المجال هذا). ووجهت موسكو عدداً من الرسائل السلبية إلى المسؤولين الإيرانيين بإعلان تأجيل تشغيل مفاعل بوشهر وإعادة النظر في صفقة صواريخ laquo;إس 300raquo; والتلميح إلى تأييد موسكو فرض عقوبات جديدة على إيران.

وتبدو السلطة الإيرانية مطمئنة ومرتاحة أشد الاطمئنان والارتياح إلى أنها لن تتعرض إلى أي إجراء دولي يهدد برنامجها واستقرارها. فبعد نجاح إنقلاب laquo;الحرس الثوريraquo; على انتخابات الثاني عشر من حزيران (يونيو) وتطويقه المؤسسة الدينية وهزال ردود الفعل الدولية على الانتهاكات التي تعرض لها معارضو النظام، بدا أن الأزمة الداخلية قد أصبحت من الماضي أو، على الأقل، قد تراجعت خطورتها إلى سوية قابلة للإدارة بحد أدنى من العنف والصخب اللذين لا يجذبان حنق العالم.

يضاف إلى ذلك انصراف إدارة الرئيس باراك اوباما الى البحث عن حلول لمشكلات الاقتصاد والقطاع الصحي في الداخل، وتفاقم انهيار السلطة في أفغانستان والعثرات التي تواجه تماسكها وتَشَكُّلها في العراق وصولا الى العجز عن انتزاع أي تنازل، مهما كان شكلياً، من الحكومة الإسرائيلية في شأن المستوطنات أو مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين، أمور تصب كلها في تصليب الموقف الإيراني وتغري صانعيه برفع أصواتهم والإدلاء بآرائهم في الشؤون الداخلية للدول العربية، بذرائع طائفية وraquo;ممانِعةraquo; تنطوي على laquo;دروسraquo; مهينة فعلا.

في المقابل، لا يخفى أن التشدد الإيراني الحالي يساهم في إغلاق الطريق أمام كل المبادرات والمساعي السلمية (ومن بينها الجهود التي تبذلها تركيا وهذه لا ترغب - برغم كل ما حُمِّلت مواقفها الأخيرة من حمولات ndash; في وقوعها في صدام مفتوح مع الولايات المتحدة أو مع اسرائيل). وتشجع التصريحات الإيرانية النارية التي تبز أقوال قادة الكرملين في أيام صولتهم، على الظن أن السلطة في طهران تدفع الى انفجار واسع، تفضله خارج أراضيها بالطبع.

وليست حكومة أحمدي نجاد والأجهزة التي تدعمها، وحيدة في تطلعها الى نِزال يعيد تحديد الأحجام والأوزان في المنطقة. وليست طهران وحيدة أيضاً في الطموح الإمبراطوري. لكن ما يستخدمه أحمدي نجاد من أساليب تقوم على افتراض العجز والتخاذل عند الآخرين في الدفاع عن مصالحهم، لن يؤدي، عند اندلاع القتال، إلا إلى المزيد من المآسي تحصدها شعوب المنطقة العربية أولا.

وإذا كانت عقلية الوقوف على حافة الهاوية، هي التي تُسير الحكم الإيراني، فربما من المفيد التذكير بأن التلاعب اللفظي والإنشائي الذي تقوم عليه الردود الإيرانية على المطالب الدولية، لا يكفي لتغيير الواقع لمصلحة طهران بل يمهد الطريق لكوارث ونوازل يمكن تفاديها.