شبّه الدور المصري بـ جريان النيل

أبوالغيط : العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي ليست صراع حضارات وإنما اختلاف مصالح وسوء فهم


القاهرة - عبدالله كمال

12/05/2009

غداة إعلان البيت الأبيض اختيار القاهرة منبرا للكلمة التي يوجهها الرئيس باراك أوباما للعالم الإسلامي في الرابع من يونيو المقبل، نفى وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، أن تكون بلاده ضغطت لكي يتم اختيارها موقعا لإلقاء الكلمة.
وقال ابو الغيط، في حوار مع laquo;الرايraquo; - ينشر تزامنا مع صحيفة laquo;روز اليوسفraquo; المصرية، ان laquo;دولة بحجم مصر ودورها وقيمة قاهرتها ومكانة رئيسها، لا يمكن أن تضغط لكي تستقطب الخطاب من عاصمة أخرىraquo;. وأضاف: laquo;القاهرة هي الاختيار الأكثر دقة، ولو ألقاها أوباما من عاصمة أخرى لفقدت الكلمة نصف مضمون رسالتها، فالقاهرة هي عاصمة التأثير ونافذة الحوار، ليس فقط بين الغرب والعالم الإسلامي، لكن أيضا بين المسلمين وأنفسهمraquo;. وقدر ابو الغيط أن على أوباما أن يعلن في خطابه المنتظر laquo;استبعاد منهج العمل المسلح من العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، خصوصا أن القوات الأميركية المسلحة المشتبكة في كل أنحاء العالم لا توجد إلا في مناطق إسلاميةraquo;. وقال إن laquo;العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي ليست حربا، بل يجب أن تكون تواصلا وثقافة ومصر جاهزة لبناء الجسورraquo;. وشخّص الوزير المصري، العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، بأنها laquo;ليست صراع حضارات كما قال صاموئيل هنتغتون، وإنما اختلاف مصالح وسوء فهمraquo;. وقال: laquo;نحن نفهم ونعرف العالم الغربي أكثر مما يفهمنا ويعرفنا، رغم كل من أرسلهم من المستشرقينraquo;.
وفي هذا السياق، أشار إلى أنه laquo;كان هناك من دفع بالمبشرين المسيحيين إلى العراق بعد الغزو الأميركي، مجسدا عدم الفهم لطبيعة مجتمع إسلامي منذ 14 قرنا، لكن هذا انتهى الآنraquo;.
وفي ما يأتي الجزء الأول من الحوار:


bull; ما رؤيتك لإعلان أوباما اختيار القاهرة لإلقاء خطابه الموجه للعالم الإسلامي؟ وما ردك على ما تردد بأن تركيا كانت تسعى للحصول على هذا الخطاب؟
- النوايا الأميركية التي أعلن عنها فور نجاح الرئيس الأميركي في الانتخابات، وقبل دخوله البيت الأبيض كانت تعكس الفهم العميق لحقيقة الوضع الذي تواجهه الولايات المتحدة حاليا في علاقتها بالعالم العربي والإسلامي... لا يفوتنا أن القوات الأميركية ليست موجودة في أي مكان في العالم في موقع الاشتباك المسلح إلا في منطقة الشرق الأوسط، بمعنى أن المنطقة الإسلامية هي المنطقة التي يدور فيها الصدام.
وأسباب الصدام معروفة، تمت محاولات لاخفائها والتهوين في شأنها، وحقيقة الأمر أن كل من تعمق في العلاقة الأميركية - الإسلامية تبين أن هناك مشكلة مصدرها أساسا استمرار القضية الفلسطينية، وعدم التوصل لحل لها، ودعم أميركا الواضح لإسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية، اضافة إلى ما نراه من سلوك أميركي يعتمد فقط على القوة المسلحة في التعامل مع مشكلات إسلامية كثيرة.
وليس بخافٍ ما هو موجود في أفغانستان، وما حدث في العراق، أو حتى العملية العسكرية الأميركية التي تمت ضد سورية، أو العملية العسكرية الأميركية في أراضي الصومال، أو العملية العسكرية التي تتم على أراضي باكستان، والتهديدات التي دارت على ما سمي بمحور الشر، وفقا للمفهوم الأميركي في وقت الإدارة السابقة، التي تسببت في كثير من المشكلات. العراق، إيران، وكوريا الشمالية، في محور الشر هذا، أي دولتين إسلاميتين من ثلاث، وأيضا العقوبات المفروضة على السودان وسورية.
وبالتالي تبين للإدارة الأميركية أن هناك مشكلة، وهذه المشكلة ينبغي أن تعالج، والعلاج لا يأتي فقط من خطاب، بل يأتي بإظهار النوايا الأميركية تجاه العالم الإسلامي وأيضا النية في متابعة هذا الخطاب بالتغيير الذي يخرج العالم الإسلامي من جانب، والعالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة من جانب آخر... من هذه المواجهة الحادة التي تحدث عنهاlaquo;صامويل هينتغتونraquo; الذي توفي منذ أسابيع قليلة.
bull; إلى هذا الحد كانت تلك النظرية عن laquo;صراع الحضاراتraquo; مؤثرة؟
- هينتغتون عندما روج لنظرية laquo;صراع الحضاراتraquo; تصدى له الكثيرون، وقالوا إن هذه مبالغة. حقيقة الأمر هو ليس بصدام للحضارات، لكنه اختلاف حاد في المصالح، لأن الولايات المتحدة على مدى فترة ممتدة تبنت قضايا ما كان لها أن تتبناها، وكان يجب أن تعود إلى التناول العادل والموضوعي للمشكلات التي تصنع هذا الشق بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.
bull; إذاً كيف ترى أهمية خطاب أوباما؟
- نتصور أن هذا الخطاب ستكون له أهميته وله تأثيره، إذا ما تمت متابعته بأكبر قدر من المصداقية والجدية، وهو ما يمثل بعدا حيويا في سياق تلك العلاقة. وهناك بُعد آخر يتمثل في أن بعض معاوني الرئيس أوباما تحدثوا عن مجموعة من الدول التي يمكن أن تستضيف الخطاب فور انتخابه وقبل وصوله للبيت الأبيض، وقالوا، لماذا لا يتحدث أوباما في هذه العاصمة أو تلك، واقتناعي الشخصي أن أكثر الخيارات دقة هو اختيار القاهرة.
bull; لماذا؟
- لأن القاهرة هي عاصمة الأزهر، والقاهرة هي الاعتدال والوسطية في الإسلام، القاهرة هي عاصمة التأثير الثقافي في العالمين العربي والإسلامي، والقاهرة هي النافذة التي تدير الحوار الواسع بين المسلمين وأنفسهم، اختيار القاهرة ليس المفاجأة بالنسبة لي، ولم أتصور في لحظة أن الذهاب إلى عاصمة أخرى يمكن أن يحقق الهدف في شكله النهائي.
نعم كان يمكن لأوباما أن يلقي خطابه في أي عاصمة آسيوية أو في دولة غير عربية، لكن نصف مضمون الرسالة كان سيضيع. لذلك أتصور أن الاختيار الأميركي كان ناضجا، ونأمل أن تساهم زيارة الرئيس أوباما لمصر في بناء الجسور مرة أخرى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، وأن يكون هذا الحوار حوارا قويا وفعالا كي يحقق النتائج.
bull; ما هذه النتائج؟
- أولها التوصل لتسوية للنزاع العربي - الإسرائيلي والفلسطيني - الإسرائيلي، بإنهاء الاحتلال وبزوغ الدولة الفلسطينية، ويمكن أن يتحقق هذا الأمر عبر طرحه بصورة موضوعية، وليس بالضرورة عبر هذه الرسالة التي سيلقيها أوباما، بل من المهم أن تتجسد في موقف أميركي قوي خلال الأسابيع المقبلة، نتصور أن هذا ستكون له مساهمته الهائلة في إعادة إصلاح العلاقات العربية الإسلامية من ناحية، والولايات المتحدة والعالم الغربي من ناحية أخرى.
bull; ألاحظ أنك لا تقول الولايات المتحدة وحدها وتضم لها دائما العالم الغربي، فهل تفسر لنا إصرارك على ذلك؟
- أنا لا أقول الولايات المتحدة فقط، بل الولايات المتحدة والعالم الغربي، لأن الكثير من عناصر التأثير في العالم الغربي تأتي من واشنطن.. ويجب أن تكون هذه الرسالة التي سيلقيها أوباما من القاهرة بخلاصتها تتركز في استبعاد استخدام القوة والعمل المسلح في العلاقة الإسلامية - الغربية.
والسؤال هنا: كيف تستطيع أن تتجاوز مشكلات العالم الإسلامي في علاقته بالغرب، وكيف نعيد صياغة العلاقة من حيث نظرة العالم الغربي والولايات المتحدة للعالم الإسلامي والعربي؟ هذا الأمر سيحتاج لجهد ووقت وتفهم ومعرفة بالثقافات ومفاهيمها.
الكثير من الأخطاء التي وقع فيها العالم الغربي كانت نتاجا لعدم الفهم، وكثيرا ما قلنا للغربيين وفي مقدمهم الولايات المتحدة، أننا نعرفكم أكثر مما تعرفوننا، ولقد بدأتم بالمستشرقين وتغلغلتم في أنفسنا، وحاولتم قراءة مواقفنا عبر المستشرقين الذين حاولوا التعمق في الحضارات الإسلامية والعربية، وعلى رأسها مصر، لكن في هذه اللحظة من التاريخ، فإننا اليوم نعلم عن الغرب وحضارته وتوجهاته أكثر بكثير مما يعرفون هم عنا، لذا على الغرب أن يتعمق في معرفة العالم الإسلامي لكي نتمكن من إعادة صياغة هذه العلاقة لتأخذنا في مسار جديد... هذه الرسالة من الرئيس أوباما لها أهميتها بالغة لأنها قد تساعد في ما ذكرته.
bull; هل ضغطت القاهرة أو سعيتم لاستضافة الخطاب في مواجهة منافسة من عواصم أخرى؟
- لا ينبغي أن تكون دولة بثقل مصر ودورها وقيمة القاهرة وقيمة الرئاسة المصرية وقيمة الرئيس المصري موجودة في هذا السياق، أي أن نعرض عليهم بلادنا، وما الحال إذا ما ذهبوا إلى مكان آخر، هذا أمر سيضع مصر في موقف محرج، وبالتالي كنا نتابع وننتظر ما ستؤول إليه الأمور.
وربما خلال مناقشات مع الأميركيين والمسؤولين في كلا الجانبين كان يتم التطرق، إلى ما يتم نشره في وسائل الإعلام، وكان البعض يقول في الولايات المتحدة، ماذا إذا رغبنا في إلقاء الخطاب من القاهرة، فكان الرد المصري واضحاً بأننا لدينا علاقات وثيقة معكم ونتفهم الحاجة لبناء الجسور التي تهدمت أثناء سنوات المواجهة، وكنا نقول إننا نعتقد أن مثل هذه الزيارة ستكون لها إسهاماتها أيا من العواصم اختيرت، لكن العاصمة المصرية يمكن أن تستضيفكم إذا ما رغبتم.
bull; بعض المحللين رأوا في خطاب أوباما أمام البرلمان التركي قبل أسابيع تراجعا للدور المصري؟
- كانوا مخطئين، بجملة قصيرة جدا أقول، كانوا مخطئين، لأننا كنا نعلم أنها ليست برسالة واحدة، بل مجموعة من المواقف ينبغي أن تتوج في موقف رئيسي. الخطاب أمام التركي كان له عناصره، كذلك لقاء أوباما مع قناة العربية، كان له عناصره أيضا، إضافة إلى البيانات التي جاءت من الرئيس الأميركي فور دخوله البيت الأبيض كان لها إسهاماتها، كذلك زيارته لوزيرة للخارجية الأميركية وحديثه في اليوم الأول لتولي هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية كان له تأثيره، لكن كل ذلك كان ينبغي أن يتوج بموقف رئيسي، وفي تقديري فإن التتويج سيكون في خطاب أوباما من القاهرة.
bull; هل يمكن القول ان القاهرة استعادت دورها بإلقاء أوباما لخطابه منها؟
- القاهرة لم تفقد دورا لكي تستعيده... رأى البعض أنها فرصة ذهبية لكي يضربوا بلدهم بدعوى افتقاد الدور، وأن هذا الافتقاد للدور السياسي مظاهره موجودة وأصبح شيئا مستقرا، هذا كلام غير صحيح. الدور المصري يأتي مثل جريان النيل، الدور هو الجغرافية السياسية، الدور هو أرض الحضارة والثقافة، الدور يأتي من الكتلة السكانية التي تمكنت من الحصول على 4 جوائز لنوبل... (انور) السادات ونجيب محفوظ واحمد زويل ومحمد البرادعي.
bull; لكن حديث فقدان الدور يتكرر كثيرا؟
- هذا هو أكثر ما يوقع البعض في العديد من الأخطاء، فالمسألة ليست القضية الفلسطينية فقط، التي تمثل أحد عناصر التأثير المصري، وليست أيضا أزمة دارفور أو قضية شمال السودان وجنوبه... كل تلك عناصر للتأثير المصري.
فمن ينظر يجب أن ينظر إلى حجم التأثير المصري والاهتمام الدولي بهذا التأثير، يجد أن عناصره متنوعة ولا تقتصر على مجال واحد أو اثنين. على سبيل المثال، العلاقات المصرية - الأوروبية، وتأثير هذه العلاقات على صياغة مواقف أوروبية أكثر اهتماما بالشأن الشرق أوسطي.
وعندما نسأل: هل هناك تأثير لمصر في المشكلة الأفغانية؟ أقول: نعم. هل مصر موجودة في الملف الصومالي؟ نعم. هل مصر متواجدة في ملفات القارة الأفريقية؟ نعم. هل مصر موجودة في أزمة تغير المناخ؟ نعم. هل هناك اجتماعات ومساهمات دولية كبيرة ومصر ليست مساهمة بها؟ أشك كثيرا. الادعاء بأن مصر فقدت الدور، أو أن طرفا آخر سبق الدور المصري، أرد على ذلك بأن لكل قضية ظروفها ولا تدعني أتحدث عما لا ينبغي أن أتحدث فيه.
bull; ماذا تقصد بذلك؟
- البعض ربط بين التسوية اللبنانية والحوار اللبناني وبعض الأمور... دعني أقول ان هناك كثيرا مما خفي ولن أتحدث فيه حاليا، لكن مستقبل الأيام سيكشف حقائق الأمور، أو أزمة دارفور ومفاوضات جرت هنا أو هناك، أيضا هذا الملف سأتحدث فيه مستقبلا، لكن من يرغب أو يساهم في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، أقول له وبأكبر قدر من الموضوعية، أهلا وسهلا، فلتعاونونا أو حتى عاونوا الإقليم العربي، فمصر لا مشكلة لديها.
bull; في ما يخص العلاقة المصرية - الأميركية، كيف ترى المسار الحالي لتلك العلاقة ومصر مقبلة على زيارة رئاسية لواشنطن بعد أن تأجلت 5 سنوات. هل حدث تطور في معطيات العلاقة أم لا نزال في مرحلة laquo;جس النبضraquo; بين الجانبين؟
- لا يفوتنا أنه زار القاهرة خلال الشهرين الأخيرين وخلال المئة يوم الأولى للإدارة الأميركية الجديدة، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس، كما زار القاهرة مجموعة من رجال وأعضاء الكونغرس يزيد على عدد هذه الفئة على مدى الأعوام الخمسة الماضية.
وهناك أطروحات ورغبة أميركية واضحة في التحول عن السياسات القديمة، ولا يخفى عنا تصريحات وزيرة الخارجية وتصريحات وزير الدفاع وأخيرا تصريحات الناطق الأميركي، والذي أعلن عن خطاب أوباما في الرابع من يونيو. هناك مؤشرات أميركية تقول، نحن نرغب في استعادة حيوية العلاقة المصرية - الأميركية التي تجاوزت ربع القرن، لكنها تعقدت في ظروف الإدارة السابقة، ولدي ثقة بأن مصر منفتحة وراغبة في المضي مع الجانب الأميركي.
راغبة ومنفتحة بما يخدم أولا: العلاقة المصرية - الأميركية ومستقبل التنمية في مصر. وثانيا: ما يؤدي إلى استقرار إقليم الشرق الأوسط والتوصل لتسوية للقضية الفلسطينية تحقق استرخاء في علاقات الولايات المتحدة والغرب من ناحية، والعالم العربي والإسلامي من ناحية أخرى، نأمل أن نتحرك بهذه العلاقة، وأن تستجيب الإدارة الأميركية لمعطيات الظروف الدولية الراهنة وتنفذ ما تتحدث عنه.
bull; في العامين الماضيين من إدارة بوش، كانت مراكز الدراسات تتحدث عن رؤية المحافظين الجدد بخصوص إعادة بناء تصور جديد لهذه العلاقة، وأن مصر عليها أن تقترح ما الذي يمكن أن يكون مفيدا للولايات المتحدة في علاقاتها بها، وأن ملف السلام المصري - الإسرائيلي فقد أهميته في بناء هذه العلاقة، وأن ما تقوم به مصر من جهود في القضية الفلسطينية ربما يكون غير مؤثر. كيف ترى أهداف العلاقة خلال الفترة المقبلة؟
- أعيد تكرار ما تحدثنا فيه سابقا، الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى لها تأثيرها واهتمامها بأقاليم العالم، هذه حقيقة، والحقيقة المقابلة، أن مصر هي قوة تأثير رئيسي في الشرق الأوسط والإقليم العربي والإسلامي، وبالتالي إذا ما رغبنا في تحقيق استقرار في علاقات العرب والإسلام من ناحية، والغرب من ناحية أخرى، فمصر لها مساهمتها الرئيسية.
وإذا ما قررنا أن هناك حاجة لتسوية في قضية الصراع العربي - الإسرائيلي، فالمؤكد أن مصر لها تأثيرها الساحق، وإذا ما رأينا اهتمامات من الولايات المتحدة والغرب بملف مثل السودان أو القرن الأفريقي، فمن المؤكد أن التأثير والاهتمام المصري متواجد، إذا ما قررنا الدخول في مكافحة قوية للإرهاب، المؤكد أن مصر بتجربتها وبنجاحها في التصدي للإرهاب يكون وسيكون لها تأثيرها.
لكن كل هذا يجمعه إطار الفهم المشترك للظواهر التي تواجه هذه العلاقة، مثل ظاهرة الإرهاب، كيف نعمق الفهم المشترك؟ وكيف نتفق على الحدود التي يمكن للولايات المتحدة والغرب ومصر والعالم الإسلامي أن يتجاوب أو لا يتجاوب معها، لأنها تؤثر على مصالحنا؟
وبالتالي، فالمسألة لا تقتصر على النزاع العربي - الإسرائيلي فقط، بل يتجاوز للاهتمامات بإقليم الشرق الأوسط بما له من دور حيوي لتحقيق الاستقرار الدولي، فالولايات المتحدة وحلف الناتو مشتبكان في حربين بالشرق الأوسط، والعمليات الإرهابية التي مورست ضد دول غربية تمت من تيارات إسلامية متطرفة للرد على التواجد العسكري، وبالتالي هناك مشكلة، ولا يغيب عنا التفجيرات التي تمت في لندن أو إسبانيا أو في نيويورك أو غيرها من العواصم والمدن الأوروبية التي تعرضت لهذا النوع من العمليات، ومن ثم، هناك ما يستدعي أن نتوافق عليه معاً وأن نحقق أهدافه معا.
bull; كيف تصف العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، خصوصا في المرحلة المقبلة؟ هل هي علاقة صداقة أم قوة إقليمية بقوة رئيسية؟
- اعتبارات الصداقة موجودة في العلاقات ومستقرة بين الإدارة المصرية ونظيرتها الأميركية، لكن هناك شيئا يوجب هذا وهو مصلحة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والعربي، وهو التوصل إلى صياغة متفق عليها لمناهج العمل المشترك، وبما يحقق كل طرف مصالحه وفي شكل يقرب منهما، أخذا في الاعتبار أن هناك حضارة ذات تأثير كبير للغاية على العالم اليوم وهي الحضارة الغربية.
لكن في مقابل ذلك، هناك الحضارة الإسلامية وحضارات أخرى لا تزال على المسرح الدولي، وهذه الحضارات كلها تصب في رافد الحضارة الإنسانية، وبالتالي، كيف نستطيع كمسلمين أو كعرب وكعالم غربي أن نصيغ علاقة لا تتسم بالصراع مثلما تحدث صامويل هينتغتون، علاقه تتسم بالتعاون وبناء الجسور لتفاهم مشترك للمشكلات بغية الوصول إلى القرية العالمية أو العولمة، التي أصبحت اليوم ضاغطة على جميع المجتمعات سواء الغربية أو الإسلامية.
عندما نقول إن في فرنسا 5 ملايين مسلم، وفي إيطاليا ما يقرب من 2-3 ملايين مسلم، هذا تلاصق وامتزاج بين الحضارات، والعولمة لها تأثيرات على المجتمعات البشرية ولها تأثيرها الإيجابي أو السلبي على أوضاعنا كمسلمين أو كعرب وكذلك كولايات متحدة وعالم غربي.
كيف نضع العلاقة بالشكل الذي لا يشعر الإنسان المسلم بأن هناك تهديدا عليه، وكذلك الإنسان الغربي لا يستشعر بوجود تهديد عليه مثلما حدث في السنوات الأخيرة... هناك من يقول إن المسلمين يجتاحون أوروبا للمرة الثانية، باعتبار أن المرة الأولى كانت في الحضارة الإسلامية بالأندلس وحتى إبان الإمبراطورية العثمانية.
هذه المسائل تشغل البال العربي والإسلامي وتشغل البال الأوروبي، ولا يفوتني أن أروي لك قصة تعكس الرغبة في التكافؤ، فقد كنا في اجتماع لمنتدى المتوسط بمشاركة 12 دولة على المستوى الوزاري، من بينها فرنسا وإسبانيا واليونان وشمال أفريقيا ومصر، فدار حديث فجأة بين الوزير الفرنسي والوزير المصري، وقال الوزير الفرنسي إن اليوم يمر أكثر من 200 سنة على laquo;زيارةraquo; نابليون لمصر، فرد الوزير المصري بأنه يمر أيضا ما يقرب من ألف عام على استضافة مصر لأحد ملوك فرنسا - يقصد غزو لويس السادس عشر - ما يعني أن العلاقة لا تزال تتسم بأن هناك تأثيرا متبادلا، فالعلاقة ليست حربا، بل ثقافة وبناء جسور مشتركة.
في هذا الصدد، مصر جاهزة تماما لبناء الجسور مع الولايات المتحدة واستخدام القدرة الأميركية - الأوروبية الغربية بأكبر قدر من الانفتاح لتطوير المجتمع المصري والعربي والإسلامي لما فيه مصلحة الحضارة الإنسانية.
bull; هل استسلم المسلمون لنظرية هنتغتون، وأن هناك صراعا حضاريا في ما بينهم وبين الغرب؟
- لا أعتقد أن هناك اتفاقا على نظرية هنتغتون، فهناك رؤى مختلفة في العالم الغربي والعالم الإسلامي، البعض يرى أن هناك حربا ضروسا ويشنها الصليبيون الجدد، وهذا المنحى يأخذ البعض لمواجهة مسلحة، وما نصفه بأنه تطرف، لكن هناك آخرين يرون أن هذا ليس بالأمر الحقيقي، وأننا حضارات متشابكة.
المفاهيم الحقيقية للحضارات أن لكل حضارة الدين العالمي الخاص بها، ولكل حضارة منطقة امتدادها الجغرافي، لكن هناك نقاط تماس بين الحضارات، والأعوام المئة الأخيرة شهدت خوضا وتشابكا واختراقا بين الحضارات وبعضها البعض بشكل غير مسبوق، وهذا الاختراق هو ما يجب أن نصيغه ونؤمنه بالشكل الذي يؤمن أن لكل مجتمع ذاتيته وخصوصياته، لكن هذه الخصوصية والذاتية يجب أن تكون في إطار الإنسانية.
فالبشر جميعا على شاكلة واحدة، ولا يفرق بين الشعب العربي والشعب الأوروبي إلا ربما 0.1 في المئة من الجينات الخاصة بأعراق كل مجتمع، فالبشر هم بشر بالتفكير ذاته، والمنطلقات نفسها، لكن المهم هو كيفية إدارة العلاقات.
وقد يقول القائل: لماذا لا يوجد هذا الصراع الحاد بين الإسلام من ناحية وحضارات الصين أو اليابان؟ وأقول إن التجربة التاريخية أنتجت إقليما يسمى البحر الأبيض المتوسط، ودار النزاع عليه من يأخذه، ومن تابع الظهور الإسلامي في الأندلس ثم انزواؤه، ومن تابع الظهور المسيحي في الأناضول والإمبراطورية العثمانية ثم سيطرة العثمانيين الأتراك، يدرك أن تلك مسألة قابلة للأخذ والرد.
المسألة الأكبر أننا اليوم لسنا في صدام لتغيير المناهج الأساسية لكل المجتمع، ولسنا في صدام لنأخذ من أي مجتمع مشروعية وجوده، وفي هذا السياق، أشير إلى أنه مع غزو العراق ظهر بعض المبشرين هناك، ثم انتهى هذا الأمر، لأن التبشير في مجتمع إسلامي مستقر في مدار 14 قرنا يعد أمرا غير مقبول في أي دولة عربية أو إسلامية.
bull; لوحظ اخيرا نوع من التشابه في مواقف مصر والولايات المتحدة في ما يخص اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وبالذات في ما يتعلق بحق إسرائيل على الانضمام لهذه الاتفاقية، هل حدث تنسيق مصري- أميركي في هذا الإطار؟
- لا يوجد تنسيق، ولكن المواقف الأميركية في هذا الصدد مرحب بها، غير أننا سنسعى للتعرف على المزيد من الخبايا ومنطلقات المواقف الأميركية، فمصر لا ترغب أن تشهد وضعا تتحقق فيه الأهداف التي تسعى إليها أميركا في إطار معاهدة منع الانتشار وينتهي كل هذا الجهد بمجرد أحاديث حول انضمام إسرائيل للمعاهدة.
والموقف الأميركي يأتي نتيجة تطورات الملف النووي الإيراني، وهذا الأمر لا يعنينا كثيرا، فما يعني مصر أن تكون إسرائيل طرفا في معاهدة منع الانتشار وعليها ذات الالتزامات المفروضة على بقية أطراف المعاهدة.
bull; هذه المعاهدة هل ينبغي تعديلها؟
- نرفض تماما تعديل المعاهدة، لأنه يمكن أن يحدث ضررا جسيما لأطرافها، ويعطي مزايا لمن هم خارجها، وهو ما ليس بمنهج مصر.
bull; هناك رؤى تقول إنه يجب أن يكون هناك وضع قانوني لمن هم خارج هذه الاتفاقية مثل باكستان والهند وإسرائيل؟
- إسرائيل مختلفة تماما عن باقي الأطراف، فباكستان قوة نووية أعلنت عن نفسها عبر إجرائها للتجارب النووية، وكذلك إعلانها أن لديها القدرة على التسلح النووي، وبذلك فهي لا تقل عن القدرات النووية للهند أو الصين، أما إسرائيل فهي لا تتحدث عن نفسها باعتبارها قوة نووية، فهي لم تجر تجارب نووية وتتمسك بالغموض، إسرائيل غير معترف بقدراتها وإمكاناتها النووية، لذلك يجب ألا نتعامل معها كما نتعامل مع الهند وباكستان وكوريا الشمالية، ومن المؤكد أن إسرائيل لديها قدرات نووية من خلال استخدامات الصواريخ والتفجيرات النووية التي أجريت كتجارب.