تركي الدخيل


مؤخراً أصبحنا نشهد سجالات سنوية كلما اقترب عيد الفطر بالذات، تدور حول الممنوع والمسموح بـquot;اللهوquot; في الشريعة الإسلامية بين مؤيد ومعارض، مع وضد، والجدل في الغالب ينطلق من توظيف فكري سجالي لموضوع quot;اللهوquot;.

مع أن اللهو والفرح من المظاهر المدنية البريئة التي تمارسها الشعوب عامةً من الشرق إلى الغرب، حيث تفرح بأعيادها وترقص زهواً واحتفالاً بمناسبة لا تتكرر كل يوم، كما أن الكثير من المسائل التي يدور حولها النقاش لم يرد في منعها نص وإنما هي من قبيل quot;العفوquot; الذي سكت الله عن بيان حكمه رحمة بنا غير نسيان ليخفف عنا، لكنّ هناك من اشتدت لديه حالة الهوس بالتشديد على طريقة بني إسرائيل الذين شددوا فشدد الله عليهم، حيث تراهم يبحثون بكل جلَد وحماس عن أي أثر يمكّنهم من قمع الفرح حيث يعارضون كل ما يمتّ إلى الدنيا بصلة.

يحاولون أن ينسى quot;الإنسان نصيبه من الدنياquot; فيبثّون الرعب في خطب الأعياد أو المناسبات العامة يتحدّثون عن الموت في فترة العيد، مع أن القرآن في كثير من مواضعه لا يذكر الموت إلا ويذكر الحياة.

من الأبحاث التي لفتت نظري مؤخراً دراسة مميزة نشرت في مجلة quot;إضافاتquot; صيف 2009 لأستاذ علم الاجتماع في جامعة ليدن بهولندا quot;آصف بياتquot; تحت عنوان quot;الإسلاموية وسياسة اللهوquot; فصّل في صفحات البحث الكثيرة إشكالية الموقف من quot;اللهوquot; عند المذاهب الإسلامية عامةً وبالأخص لدى الحركات الثورية الشيعية والسنية، حيث حرّمت بعض التجمعات كالسينما والأندية والمسارح، بل وحتى اللعب بالطائرات الورقية، كما استشهد بممارسات جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر في مرحلة الثمانينيات خاصةً والتي قامت بمنع المباهج اليومية في الجامعات مستخدمة نفوذها على اتحادات الطلاب، منعت كل المباهج لأنها اعتبرت كل ذلك دخيلاً على الثقافة الإسلامية، وذلك الكبت ولد انفجارات في المجتمعات الإسلامية نشهد الآن بداياتها.

يرى آصف بيات أن الإسلام لم يقدّم نظرية محددة بشأن اللهو، بمعنى أن الإسلام لم يتحدث عن اللهو بوصفه من الممنوعات وإنما اشترط أن لا يلهي عن الصلاة، فاللهو كان موجوداً في عصر النبوة كما في سورة الجمعة quot;وإذا رأوا تجارةًَ أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارةquot; وقبل ذلك في الآية السابقة من السورة quot;فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرضquot;، تلك هي الرؤية المعتدلة التي تجمع بين محاسن وسماحة الدين الإسلامي، وبين ضرورة اللهو والفرح وفق أبجديات المدن، وذلك بغية تخفيف التوتر والعصاب الذي يزداد في المجتمعات التي يزداد فيها الكبت.