سمير عطا الله

أدرك سلفا كم هو مهين أن يهتم إنسان عربي بمسألة الرفق بالحيوان. فنحن بلاد لا يعرف فيها الإنسان الترف ولا العناية ولا الاكتراث. مجموعات بشرية، تساق أو تذبح أو ترمى للإهمال والنسيان والجهل والفقر. وما شذ عن هذه القاعدة القديمة فهو قليل. ولو توقفنا لنفكر في أحوالنا، وفي أمرنا، وفي ما نحن فيه، وما نحن عليه، وما نحن إليه، لدب فينا الرعب أكثر مما هو متملك في أوصالنا، ولافترسنا الخوف أكثر مما طحننا قلقا على مصيرنا وعلى أبنائنا وعلى حياتهم الآتية.

ثمة عتم كثير وظلمة طاغية. ويفرض علينا هاتكو الإنسان أن نثمن الظلم ونشتم الحرية ونحيي الجهل وندين العلوم والنمو والتطور والمعارف. ويمسك المستعبدون بأيدينا ويقودوننا كالحمير الوحشية، يهددوننا بالخوف ويغلظون العصا ولا يعدوننا بأي شيء سوى المزيد من الخوف. لا جمال في خطابهم ولا حياة ولا وعد ولا أمل ولا رجاء ولا هناء ولا سكينة.

لا شيء سوى الرعب والرعد، ولا شجاعة إلا في الموت وفي الرماد وفي الفناء. رماد ورمل وخراب. الموت هو الغاية، والحياة هي السفه والعبء. القتل هو الرفعة والبناء، والحسنات والمساعدات والعطف والرأفة والحلم والمشاعر هي النكراء.

بين يوم عرفت الدنيا وبين اليوم الذي أنا فيه، تغيرت الدنيا عليّ من ضباب إلى ظلمة، وتحولت الناس من قلة عاصية إلى جماهير بلا رأفة وبلا تفكر وبلا رحمة وبلا خلق. وكان الواعظون يعظون بالحسنة والروية والسماح والعفو، فصاروا لا يقولون إلا بالقسوة والشدة والظلم والكسر والرفض وثقافة الاستبداد، أفرادا وجماعات.

قرأت أن غالبية الإسبان تسعى لإلغاء laquo;المهرجان الوطنيraquo; أو مصارعة الثيران، الرياضة التي يتحول فيها الإنسان إلى مفترس مجنون والثور إلى ضحية محزنة ومثيرة للشفقة. وإنني أحيي الشعب الإسباني، خصوصا في مقاطعة كتالونيا، على هذه الصحوة الإنسانية، مهما تأخرت. وأتمنى أن يمن علينا بصحوة مماثلة في معاملة الحيوان والبشر معا. أن نرفق بالحمير والبغال والأطفال وكل الفئات التي لا تموت من الضرب والتعذيب.

يجب ألا نستحي من الرفق بالحيوان، كما نفعل الآن، على أن ذلك ترف لا نقدر عليه. فالحيوانات التي نعايشها في الأرياف والمزارع هي أحد أسباب حياتنا. ومع ذلك لا أحد مثلنا يعامل هذه الدواب الصامتة، خصوصا في الترع أو بعض القاهرة، أو في بعض قرى لبنان، أو في بعض الأمة.