طلعت رميح

يبدوأن أمر الإصلاحيين في إيران أصبح عصيا على الهزيمة،إذ تمر الأيام بينما هم لا يزالون في ساحة المواجهة والصراع مع الحكم.وفي صمود الإصلاحيين،تبدوالظاهرة جادة وقوية وذات ثقل ووزن في الشارع الإيراني،إذ لوكانوا ظاهرة معزولة لا تلقى دعما من قطاعات مؤيدة لها من الشعب الإيراني،لكان أمر الإصلاحيين قد انتهى.
ويبدوأمر نخبة السلطة الإيرانية متراجعا على نحوأوآخر،إذ تعجز رغم كل ما تقوم به،عن إنهاء ظاهرة الإصلاحيين،من استخدام وسائل القوة وسلطان القانون وكل أجهزة الدولة،ورغم استخدام السلاح الذي أثبت نجاحه دوما في مثل تلك الحالات في إيران،سلاح الحشد الجماهيري،الديني والسياسي.ويمثل اللجوء إلى سلاح quot;التكفيرquot; واتهام المعارضين بالخيانة للثورة والوطن،طفرة خطرة في الصراع بقدر ما يشدد مجددا على فشل السلطة في عزل وإنهاء ظاهرة الإصلاحيين.
هنا،وإزاء هذا المشهد الجديد المتجدد mdash; من ثبوت الإصلاحيين كظاهرة وعجز سلطة ونخبة الحكم الراهن عن القضاء عليها mdash; يبدوالسؤال الضروري هو،كيف ننظر لما يجري هناك على الضفة الأخرى من الخليج العربي؟.كيف يرى العرب ما يجري في إيران من صراع داخلي على السلطة؟.هل من مصلحتهم ما يجري هناك؟وهل هم أقرب إلى الإصلاحيين أم إلى المحافظين؟وما هي المعايير التي تحكم النظرة العربية لما يجري هناك وهل بالإمكان أن تتوحد جوانب تلك النظرة في توجه واحد أم أن ذلك أمر مستحيل؟
وواقع الحال،أن ما يطرح مثل تلك التساؤلات جديا،ليس فقط أن الإصلاحيين صاروا ظاهرة عصية على الانكسار أوالانتهاء فقط،بما يجعلهم في مشهد التأثير على أوضاع وسياسة إيران،ولكن أيضا لأن ما يجري في إيران هوأمر مؤثر بصفة حادة على عموم الأحداث والتطورات الجارية في المنطقة وبشكل خاص لأن إيران أصبحت اليوم رقما كبيرا في أهم وأخطر المشكلات الجارية في العالم العربي. ومن بعد ومن قبل،لأن الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين،لا يجري فقط حول مفاهيم الديموقراطية وتطبيقاتها وأساليب تحقيق العدالة mdash; وغيرها من القضايا الداخلية mdash; ولكنه يجري أيضا حول قضايا جوهرية تتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية،سواء تجاه العالم العربي وبقية العالم الإسلامي إذ ثمة خلاف حول مواقف إيران تجاه تلك القضايا،أوباتجاه الغرب وإسرائيل وروسيا والصين وغيرها،بما يجعل نتائج هذا الصراع الداخلي mdash; أوحتى استمراره وفق الوتائر الجارية mdash; ذات تأثير حاد وحاسم على العرب.فإيران في العراق ولبنان واليمن وفي حالة اشتباك مع كثرة من الدول العربية وتحالف مع بعضها الآخر أي هي في داخل الجامعة العربية الآن،كما هي في حالة تدخل في شؤون عربية داخلية عبر دعمها وتأييدها لبعض المجموعات السكانية ذات توجهات سياسية قريبة لإيران..إلخ،فضلا عن أن برنامجها النووي وتطور قدراتها العسكرية mdash; والصاروخية خاصة mdash; صارت أحد المؤثرات على تطورات الأوضاع إستراتيجيا في المنطقة..إلخ.
وهنا،يبدوالسؤال الأولي والمهم هو:حول ماذا يختلف فرقاء الصراع في داخل إيران؟
الدولة..والثورة!
منذ بداية الثورة في إيران،كان السؤال الإستراتيجي الذي واجه كل الثورات في العالم،مطروحا على تلك الثورة هي الأخرى.وإذا كان مثل هذا السؤال يطرح دوما بشكل خافت في البداية ثم يعلوويتصاعد ويتطلب الإجابة بعد استقرار الثورة،فقد كان الأمر نفسه في إيران،وإن تأخر طرح السؤال على ثورتها لأسباب تتعلق بجدة هذا النمط من الثورة quot;الإسلاميةquot; وحاجتها إلى وقت طويل حتى تستقر،ولشعبيتها الجارفة التي جعلتها تتأخر في طرح السؤال بحكم أنها تحظى بالتفاف واسع قلل حاجتها للتعاطي مع مشكلات تتعلق بالتباينات في داخل نخبها،وكذا كان للحرب العراقية الإيرانية دورها في عدم التعاطي مع الأسئلة الداخلية عموما.
في الثورة السوفيتية،طرح السؤال بعد موت فلاديمير إيليتش لينين،وحينها جرى صراع داخلي بين قائدين تاريخيين هما جوزيف استالين وليون تروتسكي،فاز فيه الأول إلى درجة إنهاء حياة الثاني،إذ عبر كل منهما عن تيار في الإجابة عن السؤال.كان استالين يسعى إلى بناء الدولة على الأرض الروسية والتمدد حسب الظروف الدولية،وفي المقابل طرح تروتسكي ما سمى بنظرية الثورة الدائمة،والتوسع الثوري في العالم معتبرا أن بناء الدولة في بلد واحد أمر يفسد الثورة العالمية.
وفي الحالة المصرية،وما إن استقر الحكم لانقلاب يوليه 52،حتى تفجر السؤال:أي دولة نريد بناءها؟.مثل طرح السؤال بداية نهاية حكم محمد نجيب،الذي انحاز إلى فكرة البناء الديموقراطي للدولة ونظام الحكم،في مقابل رؤية أخرى عملت على تاسيس نظام شمولي تطورت الأوضاع لرفع شعارات الثورة المصرية وهوما توسع بدورها في العالم العربي،إلى ما هومعروف.
ودون استطرادات أكثر،فالأمر العام هوأن مثل هذا السؤال يجري طرحه في داخل كل حركة تغيير،وتجري بشأنه إجابات مختلفة،تجري على أساسها حسم الإجابة عليه وفق آليات عديدة،وهذا جانب مهم مما يحدث الآن في إيران.
في الحالة الإيرانية يجري الخلاف حول نظام ولاية الفقيه وحول الحريات كما تطرح شعارات تتعلق بهيمنة quot;أجهزة الثورةquot; على quot;أجهزة الدولة quot;،إذ الحرس الثوري mdash; مثلا mdash; هوالقوة الأهم في توازن العلاقات داخل المؤسسات العسكرية،والباسيج هوالأكثر أهمية عند الحكم من وزارة الداخلية،وهكذا الحال في توازنات صناعة القرار بين الولي الفقيه والمؤسسات التابعة له من جهة،ومجلس الشورى ومجلس الوزراء والرئيس والحكومة من جهة أخرى..إلخ.
لكن جانبا جوهريا آخر بات داخل ملامح مشهد الخلاف والصراع الجاري في إيران،يتعلق بالسياسة الإقليمية خاصة تجاه العالم العربي،كحالة ممتدة لما ظهر من توجهات تجاه العالم العربي خلال حكم الرئيس السابق محمد خاتمي. كان خاتمي قد واجه على أكبر جنتي mdash; الذي مثل المحافظين وحظي بدعمهم وعلى رأسهم المرشد الحالي نفسه mdash; في تلك الانتخابات (عام 97 ) إذ طرح خاتمي شعارات جعلت البعض يدعوه جورباتشوف إيران.وبعد وصوله للرئاسة تحدث عن تقوية حكم القانون ومنظمات المجتمع المدني،كما سمح بالنقاش العلني واختلاف وجهات النظر.وفي العلاقات مع العالم العربي،سعى خاتمي إلى تلطيف الصراعات وإقامة علاقات طيبة مع نظم الحكم القائمة،إذ هوأبطأ حدة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية،حتى وصل الأمر خلال حكمه حد حضور وفد عراقي إلى طهران لحضور قمة منظمة المؤتمر الإسلامي،بما منح فرصة لحلحلة حالة الصراع والقطيعة بين البلدين وبين إيران ودول الخليج عامة.في الخلاف الراهن،يبدوالتياران حاضرين متصارعين حول طبيعة العلاقات مع الدول العربية،أوبالدقة حول مفهوم استمرار الثورة وامتدادها في دول المحيط الإقليمي عامة والعربي خاصة،إذ يرى المحافظون أن الأولوية هي لنشر الثورة وهوما يترجم في مساندة الحركات الراديكالية والطائفية في العالم العربي،وفي التصريحات المهددة لبعض الدول بالضم ولأخرى بالقصف..الخ،بينما يرفع الإصلاحيون شعارات تطالب بإيران أولا وقبل مساندة الآخرين،مع أطروحات mdash; خافتة على نحوما mdash; ترفض التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى.
وكذلك يبدوأحد ملامح الخلاف الداخلي ظاهرا حول السياسة الدولية لإيران،إذ الاختلاف حول quot;الإقليميquot; مرتبط بشكل وثيق الصلة بتصورات كلا الطرفين المتصارعين للوضع الدولي من جهة mdash; نهاية وضعف الإمبريالية mdash; وبالصراع بين النفوذين الإيراني والغربي في المحيط الإقليمي من جهة أخرى.وفي ذلك يبدوواضحا،أن الغرب يجد في مصلحته صعود تيار الإصلاحيين،بينما هوعلى الصعيد الإعلامي يقف مناصبا العداء الراديكاليين المحافظين،ويعمل على إزاحتهم من الحكم،وفق إستراتيجية تدعو للتغيير من داخل إيران تفاديا لحرب معها.
هوخلاف حول quot;الدولةquot; وquot;الثورةquot; بالأساس إذن،بين من يريد استمرار نفس منهج ومنطق ورؤية بداية الثورة،ويعمل على امتدادها إلى خارج إيران،وبين من يريد الحياة لإيران كدولة طبيعية وفق منطق الدولة التي تتعايش مع الآخرين من خلال العمل وفق القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار..إلخ.
زاوايا النظر
في ردود الفعل والمواقف العربية تجاه ما يجري في إيران،يمكن رصد العديد من التوجهات.ثمة الاتجاه الرسمي الذي يتحدث بلغة الدبلوماسية الصامتة،التي تحرص على الظهور بمظهر غير المتدخل في الشأن الداخلي في إيران،ويبدوالمبرر واضحا،على الأقل لأن النظام الرسمي العربي يتحدث بلغة رافضة للتدخلات الإيرانية في شؤون بعض الدول العربية،فكيف به يرتكب سلوكيات تظهر تدخله في الشأن الإيراني الداخلي.وهناك اتجاه quot;شعبيquot; يتحدث quot;بلغة شامتةquot; فيما يجري في إيران،وهويحاول بطريقة أوبأخرى التشديد على معاني تشير إلى أن الحالة الجارية هناك،ليست إلا بداية طرق ينتهى بتفكك إيران mdash; بحكم اضطهاد الأقليات هناك وبسبب نظام ولاية الفقيه mdash; وبأن الصراع الجاري هوصراع داخل النظام وبين نخب الحكم،وليس من أجل مصلحة الشعب الإيراني الذي هومستبعد من المشاركة في الحكم..إلخ.وهناك اتجاه شعبي آخر،يعلن تضامنه بوضوح مع الإصلاحيين باعتبارهم طليعة خلاص إيران من حكم غير ديموقراطي أوأوتوقراطي أوطائفي وفارسي.كل تلك الاتجاهات تختلف عن اتجاه شعبي آخر،يعلن تضامنه بوضوح مع المحافظين الإيرانيين ويتحدث بلغة واضحة عن أن إيران تتعرض لمؤامرة غربية mdash; ومن بعض العرب أيضا mdash; بسبب دعمها لحركات المقاومة والممانعة في المنطقة العربية،وهواتجاه تمثله حركات المقاومة في لبنان وفلسطين،وهي تعارض ما يطرحه المؤيدون للمقاومة العراقية الذين يطرحون رؤية أخرى تقول إن إيران تساندت مع الولايات المتحدة في غزوالعراق وأفغانستان وأنها تقف ضد المقاومة العراقية وبذلك هي في صف الولايات المتحدة في الحالة العراقية.وفي أجهزة الإعلام العربية،فالبادي حتى الآن أن الأغلب في لغة الأخبار والتعليقات هوالتعطش إلى معرفة ما يجري،والتركيز على الأبعاد الداخلية من زاوية البحث في الحدث والخلافات الجارية،وإن كان البعض منها يحاول لعب دور في تأجيج الصراع.
وفي النظر لردود الفعل العربية،يبدوأن زوايا النظر لإيران على الصعد السياسية والمصالح المختلفة أوالمتعددة،هوما يحكم ردود الفعل على أحداثها الداخلية،وأن لا وجهة نظر متبلورة متفق عليها أومحل إجماع.وبطريقة أخرى،فإن المقاومين الذين تدعمهم إيران وتلتقي معهم سياسيا،من مصلحتهم استقرار نظام الحكم الحالي في إيران،ولذلك هم يعتبرون وصول الإصلاحيين للسلطة بمثابة ضربة خطيرة لحركة المقاومة والممانعة التي يمثلونها ويحدث تأثيرا خطيرا على ما حققته تلك المقاومة بالارتكان لدعم النظام الإيراني الحالي.وفي ذلك تبدوالمقاومة العراقية في الجانب الآخر على الأقل من زاوية أن النظام الإيراني الحالي mdash; أوالنظام الإيراني عموما mdash; يمثل حجر عثرة للوحدة الوطنية العراقية،كما هو mdash; من وجهة نظرهم mdash; يمارس حالة استعمارية في العراق،وهوموقف أقرب إلى موقف المقاومة في أفغانستان التي تقترب من هذا الرأي،وهوما يعني أن لا موقف موحداً لكل المقاومة في المنطقة مما يجري في إيران.وفي المقابل فإن أغلب نظم الحكم العربية mdash; بغض النظر عن المواقف المتحفظة أوالمواقف الصامتة mdash; تتمنى لويريحهم الإصلاحيون من كل هذا التوتر الذي يحدثه المحافظون الإيرانيون في داخل البلدان العربية وفي العلاقات والأوضاع الإقليمية،بل إن هناك من النظم من يقدر أن لا استقرار في بلده ومجتمعه ولنظام الحكم إلا بحسم المعركة في داخل إيران،التي يمثل حسمها لمصلحة الإصلاحيين أفضل الحلول لإنقاذ المنطقة من احتمالات نشوب حرب أخرى لا تستطيع المنطقة تحملها،ولتحسين العلاقات العربية الإيرانية ولتقليل التوترات بين إيران والغرب.لكن هناك نظما أخرى ترى أن وجود النظام الحالي وتحالفه معها هوما مكنها من الصمود في مواجهة إسرائيل والغرب.
وعلى صعيد رأي الشارع فالظاهر بوضوح،أن المواقف الإيرانية خلال غزوواحتلال العراق وأفغانستان،وكذا ممارساتها بعد احتلال كلا البلدين،والتهديدات التي أطلقت بحق دول عربية وإسلامية mdash; خاصة البحرين mdash; والممارسات الإيرانية في اليمن تحديدا وفي لبنان خاصة بعد الحسم العسكري من قبل حزب الله،كلها قد أثرت بالفعل على رأي رجل الشارع على نحوواضح،تجاه نظام الحكم وعلى سمعة إيران وإمكانيات التعاون معها إجمالا.