محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

أخطأ الشيخ محمد العريفي بإثارته للنعرات الطائفية، والتحدث فيها عند حديثه عن الحوثيين. إثارة البعد الطائفي يثير الفتنة بين أبناء البلد الواحد، على اعتبار أن هناك قسماً من أبناء هذه البلاد شيعة أيضاً؛ لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأي محاولة للنيل منهم، ومن رموزهم، من منطلقات محض طائفية، هي في النتيجة إذكاء للفتنة، وهز للاستقرار؛ إضافة إلى أنه مساس بلحمة المواطنين فيما بينهم.

غير أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي احتج (بقوة) على خطبة الشيخ العريفي تجاوز العريفي ليسحب ما تفوه به هذا الداعية على جميع علماء المملكة، معتبراً أن لسان حال العريفي يعبر عن المؤسسة الدينية بمختلف توجهاتها، وهذا ادعاء لا يمكن قبوله على علاته؛ فالأصل أن العلماء السعوديين الذين عليهم الكلام في بلادنا - وهذه شهادة حق - يتحاشون دائماً إثارة النعرات الطائفية، وعندما يتحدثون عن خلافهم مع المعتقد الشيعي يطرحون مقتضى معتقدهم دون أن يلقوا بتبعات ما يعتقدون على شخص بعينه، ولا سيما إذا كان هذا الشخص كبيرا في طائفته؛ تفادياً لإثارة الفتن التي يدركون أن إثارتها ستؤول بنا إلى ما لا تحمد عقباه.

نوري المالكي (أخذ) خطبة الشيخ العريفي ووظفها توظيفاً سياسياً؛ في محاولة للعب على البعد الطائفي، لا قناعة منه بهذا البعد عقدياً على ما يبدو، وإنما لأنه يبحث عن أي سبب حتى وإن كان أوهى من بيت العنكبوت، ليستعين به وهو على عتبة انتخابات جديدة. وغني عن القول: إن المالكي بهذا التوظيف (الانتهازي) يفضح نفسه، ويُعبر عن ضعفه، وضيق حيلته، بعد أن انتخبه العراقيون رئيساً للوزراء، فآب بعد أربع سنوات إلى من انتخبوه بخفي حنين؛ سواء في عجزه عن ترسيخ الأمن وهو الأهم، أو في الاقتصاد، وضعف البنية الخدماتية الأساسية، وكذلك في انتشال الإنسان العراقي من مآسيه الحياتية، إضافة إلى ضعف علاقات العراق الخارجية على المستوى الإقليمي والعالمي التي انحدرت إلى مستويات لا تتناسب إطلاقاً مع حجم ومكانة دولة كالعراق.ولا أعتقد أن سياسياً بهذا الوهن وهذا الضعف قادر على أن يكون رجل المرحلة؛ فضلاً عن أن إثارة النعرات الطائفية لا تحقق أمناً، ولا تقدم خبزاً، ولن تجتث فساداً يئن منه ومن مخرجاته الإنسان العراقي.

ومن يقرأ في تراث المماحكات السنية الشيعية على طول التاريخ سيجد أن ما قاله العريفي لا يختلف أبداً عما يقوله كثير من فقهاء الشيعة في الماضي والحاضر. وموقع (اليوتيوب) على الإنترنت مليء بمثل هذه التجاوزات؛ حتى أن أحد من يحملون درجة (آية الله)، وهي في التراتبية الكهنوتية الشيعية درجة ذات شأن، قال في المملكة، وفي خادم الحرمين، وفي المذهب السني، ما أخجل أن أذكره هنا نظراً لبذاءته وانحطاطه؛ ومع ذلك لم تحتج حكومة المملكة ولم تعترض، لأننا جميعاً ندرك أن النزول إلى مستوى هذه المهاترات، وتوظيفها سياسياً، دليل (ضعف) وليست علامة (قوة)، من يلجأ إليها، ويُصعدها، ويضع منها (قضية)، فهو يُعبر - دون أن يعي - عن مأزقه، وضيق خياراته.. أن يصل ضعفك السياسي إلى هذه الدرجة، فأنت - يا معالي الرئيس - تفصح عن سقوطك السياسي؛ فلم تجد إلا ركوب موجة (الطائفية) عسى ولعل أن تخفي بها فشلك وفشل حكومتك، وتقيل بها عثراتك؛ هذا مع إقرارنا من حيث المبدأ - كما سبق وأشرت - أن الشيخ العريفي كان يجب ألا يثير مثل هذه النعرات.