حسن مدن

للكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط مقالة صحافية ساخرة، يحدد فيها التضاريس الجغرافية للعالم العربي، ويسمي معالمها من جبال وأنهار وسهول ومدن وقرى وأحراش، ثم يعرج على وصف الكائنات التي تعيش في هذا العالم العربي من الجمل إلى الحصان إلى الحمار وسواها من حيوانات، واصفاً كل واحد منها بما يميزه .وفي نهاية مقاله يصل إلى الإنسان العربي فيكتب: ldquo;وعاش هنا الإنسان العربيrdquo; .

الماغوط المعروف بسخريته اللاذعة المغموسة بالألم العربي، أراد من وضع الأمر في صيغة الماضي القول إن هذا الكائن من الخليقة المدعو المواطن العربي قد انقرض .

هذا نوع من الكوميديا السوداء، ولكنها كوميديا مأخوذة من هذا الواقع، مترعة بمآسيه ومتشربة بطعم العلقم الذي ينضح به . إن ما فعلته التحولات العمياء التي شهدتها المجتمعات العربية على مدار عقود قد أدت إلى سحق هذا المواطن وتغييبه وإهدار كرامته، وتفريغ عالمه الروحي وتجويفه .

علينا بعد رؤية هذه التحولات أن نفهم هذا الحال من الخيبة واللامبالاة واليأس والحياد الواضح من قبل هذا المواطن تجاه ما يجري حوله من أحداث جسام . ما الذي يستطيع هذا المواطن العربي أن يفعله وقد فقد هو نفسه الإرادة والإحساس العالي بالكرامة الذي طبع مراحل سابقة من تاريخنا؟

وعلينا بعد هذا وذاك أن نفهم، وربما نتفهم، طبيعة ردود الفعل العفوية على هذا الوضع، حين تأخذ الطابع العبثي وتبدو من غير رؤية أو هدف أو مشروع، وإن وجد هذا الهدف فإنه غالباً ما يكون معلقاً في الهواء، معزولاً عن زماننا ومكاننا .

الهزيمة ليست هي تلك التي تتكبدها الجيوش في معارك القتال . الهزيمة الحقيقية، الكبرى، إنما هي الهزيمة الداخلية، هزيمة الإنسان الفرد حين تنخر النفوس واحدة بعد الأخرى وتصيبها بالخراب وفساد المعنويات .

جوهر كل ما يجري هو الوصول بهذا المواطن البسيط إلى هذا المآل البائس ليفقد الأمل في أي شيء، وإن تحقق ذلك، لا سمح الله، فإن الظلام سيطبق علينا من كل الجهات .

ألا يفسر لنا ذلك هذا الحنين، الذي يبدو في بعض مظاهره رومانسياً لذاك الزمن الذي وإن كان الناس فيه مثقلين بالفقر، لكنهم كانوا مفعمين بالأمل والكرامة والعزة . لقد كان ذاك زمن: ldquo;ارفع رأسك يا أخيrdquo;، أما اليوم فقد حل علينا زمن طأطأة الرؤوس .