عبدالجليل زيد المرهون

تحدث وزير الخارجية الكويتي، الشيخ محمد الصباح، عن رؤية الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي للوضع في العراق، ومستقبل العلاقات التي ينشدها الخليجيون مع بغداد.

وفي حديث صحفي، نشر له في السابع عشر من كانون الثاني يناير 2010، وشمل مختلف القضايا الإقليمية الراهنة، شدد الوزير الكويتي على أن استقرار العراق مطلب خليجي جامع. وإن الكويت، على وجه التحديد، تعد أكثر دول العالم استفادة من استقرار العراق، بعد العراق نفسه.

وكشف الشيخ محمد الصباح عن رؤية الكويت لعدد من القضايا ذات الصلة بالعلاقات الثنائية. فأوضح بداية أن ما تريده الكويت من العراق هو الأمن والطمأنينة. قائلاً: laquo;لا نريد منه المال، فالمال آخر ما نفكر بهraquo;.واعتبر أن الديون تمثل حالة نفسية وليست مالية.وraquo;لنكن واضحين، نحن لم نطالب العراق بتسديد الديونraquo;.ورأى أن آلية إسقاط هذه الديون تمر عبر مجلس الأمة. لكنه شدد على ضرورة التركيز أولاً على خلق الأجواء المناسبة لإسقاطها.

وأفصح الوزير الكويتي، من جهة ثانية، بأن الكويت وعدت بمساعدة العراق في توسيع مجرى السفن في خور عبدالله، من أجل أن تتمكن البواخر الكبيرة (القادمة من الخليج) من الدخول إلى الخور ومن ثم إلى ميناء أم قصر، من خلال المياه الإقليمية العراقية مباشرة.

وأفصح وزير خارجية الكويت، من ناحية ثالثة، عن مشروع مشترك لإقامة منطقة صناعية في جنوب العراق.سوف تساهم فيه أربع دول،هي الكويت والعراق وتركيا والمملكة المتحدة.

كذلك، أعلن الوزير الكويتي بأن الكويت قررت بناء مستشفى في جنوب العراق، مشيراً إلى أن الكويت تنتظر زيارة سيقوم بها محافظ البصرة، يبحث خلالها مع المسؤولين الكويتيين سبل التعاون المشترك.

لا ريب، أننا أمام صورة مشرقة لما يفترض أن يكون عليه الحال بين الخليج وأشقائه العراقيين، الذين يمثل أمنهم واستقرارهم جزءاً أصيلاً من أمنه واستقراره.

إن دول الخليج تغدو أكثر اطمئناناً متى كان بجوارها عراق مستقر، ومعافى اقتصادياً وسياسياً.وإن وجود عراق على هذا النحو هو مسؤولية إقليمية بقدر كونه مسؤولية عراقية وطنية.وما نقصده بالمسؤولية الإقليمية ليس تدخلاً في شؤون العراق، بل تفاعلاً بناءً مع تطلعاته المشروعة، في تحقيق أمنه الاجتماعي، وتعزيز وفاقه الوطني، وتأكيد دوره ومكانته في البيئتين الإقليمية والدولية.

هذا النهج هو الذي يقود إلى علاقات خليجية عراقية، قادرة على تجاوز توترات التاريخ وإرثه القلق، وتطويق الخلافات التي قد تفرض نفسها على نحو أو آخر.

صحيح تماماً القول إن الخليجيين ما زالوا بعيدين عن كونهم قوة مؤثرة في المشهد العراقي، لكن الوقت لم يفتهم بعد.وما أعلنه وزير الخارجية الكويتي من مشاريع ثنائية ومتعددة، يُمثل نموذجاً لما يتطلع إليه الناس في هذه المنطقة.

إن منطق التعايش والتكامل الإقليمي هو وحده القادر على جلب الأمن للخليج. وعلى العكس من ذلك، فقد فشل المبدأ القديم القائل بتحقيق الأمن من خلال توازن القوى وسباق التسلّح. هذا المبدأ جلب الحروب ونزاعات الحدود، والصراعات الثنائية والمتعددة. وأضاع ثروات المنطقة، وعزز لدى البعض الشعور بالعزلة والتهميش.

لا يعني هذا القول، بطبيعة الحال، دعوة للتراخي في بناء مؤسسات الأمن في الخليج، وخاصة الدفاعية منها.فتعزيز مقومات الدفاع والردع يُمثل ضرورة لا غنى للدول والشعوب عنها.إن الذي قصدناه هو عدم جعل منطق توازن القوى دليل هذه المنطقة لتحقيق أمنها الإقليمي، بل السعي عوضاً عن ذلك لجعل هذا الأمن حقيقة قائمة، عبر بناء إقليم متعايش ومتآخي، يُظلله الحوار والتفاهم، وتتكامل دوله فيما بينها.

وفي حقيقة الأمر، هناك تباين في رؤية دول مجلس التعاون الخليجي حيال العراق، وما يمثله من فرص وتحد في آن معاً. فرؤية الوضع العراقي في الكويت، على سبيل المثال، ليس هي ذاتها في سلطنة عُمان. وبالطبع، ليس شرطاً أن تكون هذه الرؤية واحدة.إن الجغرافيا هنا تفرض نفسها، على الرغم من محدودية تباينها. كما أن للتاريخ إيحاءاته هو الآخر.وكذلك الحال بالنسبة لدرجة التداخل الاجتماعي والأسري مع العراق، حيث يبدو هذا التداخل أكثر تجلياً في شمال الخليج ووسطه، منه في جنوبه.

وعلى نحو مبدئي، ليس بالضرورة أن تكون هناك سياسات خليجية متطابقة في كل شيء حيال العراق، فكل دولة خليجية يُمكنها التحرّك وفق ما تمليه معطياتها.

وإذا كان هناك من إجماع خليجي مطلوب في هذا الشأن، فهو ذلك المتعلق بمبدأ التأكيد على التعايش الإقليمي بدلاً من الصراع، واستبدال منطق الحرب الباردة بمنطق التكامل الاقتصادي.

في الوقت ذاته، هناك شعور مشترك بين الخليجيين بالخطر تجاه عراق ينعدم فيه الأمن والاستقرار.وقد عبر وزير الخارجية الكويتي، في حديثه المشار إليه أعلاه، عن ذلك بالقول إنه قلق على الوضع في العراق من ثلاثة أمور: الأول، صراع طائفي ينتقل إلى الكويت، laquo;لأنه مثل الفيروس ينتقل عبر الحدود، وهذا قلق أساسيraquo;. والثاني، انتقال الإرهاب ومجموعاته إلى الكويت ،لضرب استقرارها الوطني. والثالث، انهيار في منظومة الأمن الداخلي للعراق يقود إلى نزوح جماعي باتجاه الكويت، على نحو يصعب التحكم فيه.

مبدئياً، قد يلامس خطر النزوح الجماعي الدول المجاورة دون غيرها. وهذا على نحو نسبي، إذ إن أمراً كهذا قد يفرض نفسه، في حال تحققه، على كافة دول الخليج، إن بصورة أو بأخرى.

خطر الإرهاب، المرتبط بالحدث العراقي والمزدهر على ضفافه، عانت منه دول الخليج بمستويات مختلفة. وفي حالات معينة، بات أمنها الداخلي شديد التأثر بتداعيات هذا الحدث.

الخطر الطائفي، الذي أشار إليه وزير الخارجية الكويتي، يبدو أشد وطأة على الخليج من سائر الأخطار.

إن الناس في هذا الخليج قد اعتادوا على التعايش فيما بينهم، بعيداً عن اللون الطائفي والمذهبي.وكان هذا التعايش المبارك ثمرة مسار تاريخي طويل.وهو قد شكل ركناً حصيناً في مقاربة الاستقرار الوطني والإقليمي.ومن دونه، كان يمكن للمنطقة أن تنزلق سوية إلى منحدر لا يُحمد عقباه. وعليه، يبدو منطقياً أن يشعر الخليجيين بكثير من القلق حيال أي توتر طائفي يفرض على العراق، أو يُدبر له في الظلام، خلافاً لإرادته الوطنية.ومنطقياً أيضاً أن ينتاب الخليجيين القلق تجاه أية محاولة لنشر ثقافة التعصب الطائفي بين صفوفهم.

وما يمكن قوله ختاماً هو أن التوّجه الخليجي لمد جسور التعاون مع العراق يُمثل مطلباً جامعاً في هذه المنطقة.وعلى دول الخليج، مجتمعة ومنفردة، أن تمضي قدماً في هذا الطريق، فهو السبيل الأمضى لتحقيق أمننا الإقليمي المشترك.