خلف الحربي


فيما مضى من الزمان قال أحد المتفذلكين للمحيطين به: (سأقول لكم اسم الذئب الذي أكل يوسف عليه السلام) فأجابه هؤلاء: (ولكن الذئب لم يأكل يوسف عليه السلام!) ، تذكرت هذه الطرفة حين قرأت مقالة للدكتور محمد السعيدي تم توزيعها بكثافة على شبكة الإنترنت تحت عنوان (اقتلوا يوسف) حاول من خلاها المقارنة بين قصة نبي الله يوسف عليه السلام وقصة يوسف الأحمد مع مناهج وزارة التربية والتعليم!.
وفي هذا الزمان العجيب الذي أصبح فيه كل شيء جائز تحت غطاء (التشبيه والاستعارة والكناية) فإنني لا أجد أي وجه للشبه بين يوسف عليه السلام ويوسف الأحمد باستثناء الاسم!، ولكن بما أن السعيدي المتخصص في الشريعة الإسلامية لا يرى بأسا في ذلك فإنني سأفترض أن مثل هذا التشبيه جائز من الناحية الشرعية فهو أعلم مني بجواز هذا الأمر من عدمه، ولكنني سأتوقف عند مسألة الحسد التي حاول السعيدي التركيز عليها في هذه المقالة العجيبة، فلا شك أن الحسد هو الذي أحرق قلوب إخوة يوسف عليه السلام ما دفعهم لإلقائه في البئر والادعاء بأن الذئب أكله .. ولكن هل حقا كان الحسد هو دافع المعترضين على اختيار يوسف الأحمد مؤلفا للمناهج المدرسية؟!.
فبرغم أنني لازلت أشعر بحساسية التشبيه بين القصتين إلا أنه في حال جواز هذا التشبيه فإن السعيدي هنا يكون قد فعل مثلما فعل أخوة يوسف عليه السلام حيث ابتكر ذئبا لا وجود له على أرض الواقع!، فالتشخيص الموضوعي للاعتراضات على اختيار يوسف الأحمد مؤلفا للمناهج هو أن أصحاب هذه الاعتراضات يبحثون عن المصلحة الوطنية العامة وفق رؤاهم الخاصة التي قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، أما طرح مسألة (الحسد) كتفسير لحوار عام فهو أمر ينطلق من نظرة سطحية وموغلة في السذاجة!. عموما .. من حق أنصار الدكتور يوسف الأحمد أن يحوروا مطالبته بهدم المسجد الحرام كاملا وتقسيمه إلى أدوار رجالية وأدوار نسائية فيقولوا أن الأحمد كان يقصد التوسعة التي تقوم بها الدولة بين فترة وأخرى!، ومن حق مخالفي يوسف الأحمد أيضا أن يقولوا بأن اطروحاته تمثل النظرة المنغلقة والرجعية للإسلام، في كل الأحوال أفكار الأحمد ليست مقدسة فهو ــ بحدود علمي ـ بشر مثلنا يجتهد بحسب فهمه للإسلام وليس بالضرورة أن يكون اجتهاده صحيحا. وبالطبع لاتوجد أي مشكلة في أن يطرح الأحمد أفكاره الغريبة عبر الإنترنت والفضائيات فيدخل مع مخالفيه (الذين يسميهم المنافقين) في سجالات حادة، ولكن ليس من حق الأحمد اقتحام معرض الكتاب مع مجموعة من أتباعه الخلص ليفرض أفكاره بالقوة على الناس، وكذلك لا توجد مشكلة في أن يدعو الأحمد لمقاطعة شركات السوبر ماركت التي تشغل الكاشيرات كي لا يختلطن بالرجال في الوقت الذي لا يرى فيه مشكلة بقيام كاشير رجل بالتعامل مع زبونات السوبر ماركت!، ومن حق مخالفيه أن يعبروا عن مخاوفهم الشديدة من فرض أفكار الأحمد الغريبة على جميع أطفال الوطن من خلال اعتماده مؤلفا لمناهج المرحلة الابتدائية. المسألة ليست لها أي علاقة بحسد الدكتور يوسف الأحمد (حماه الله من عيون حاسديه) بل تتعلق بالحوار العام حول آلية إعداد المناهج الدراسية وكيفية تقديم العلم للصغار بما يتناسب مع عقولهم الصغيرة، فقد كان بالإمكان تكليف تلميذ في السادسة من عمره بالتعرف على تعاليم الإسلام من أمهات الكتب، ولكن الفرق بين الكتاتيب والمدارس الحديثة هو أن الأخيرة تعتمد على مناهج أعدها تربيون متخصصون في مخاطبة عقلية الطفل، ولو لم تكن الوسائل التربوية الحديثة مهمة في التعليم العصري لأصبح بإمكان أي متخصص في الشريعة الإسلامية أن يؤلف المناهج، ولو كان القصد هو إيصال الشريعة الإسلامية إلى عقول الأطفال دون تدريج يتناسب مع أعمارهم لكان أول درس يجب أن يتلقاه تلميذ في السادسة من عمره هو فضل الجهاد في استرجاع حقوق الأمة الضائعة!.