محمد كريشان

محقون هم الإسرائيليون في القلق على تراجع صورتهم في الخارج فدولتهم لم تعد كما كانت دائما على حق وغيرها هم المعتدون. أشياء عديدة تغيرت في السنوات القليلة الماضية في إعلام كثير من الدول الغربية وفي رأيها العام الداخلي.
آخر ما سجل على هذا الصعيد ما حدث في اليومين الماضيين في مدينة برشلونة الإسبانية حيث عقدت تظاهرة عالمية ضخمة بعنوان'العيش المشترك في وقت الأزمات' نظمتها جمعية 'سانت إيجيديو' المسيحية الإيطالية وأبرشية برشلونة وضمت لفيفا كبيرا من المسيحيين والمسلمين واليهود والبوذيين والهندوس وذلك في إطار تقليد سنوي قائم منذ 1986.
محطتان تجلتا فيها بوضوح تقهقر المنطق الإسرائيلي الذي كان مستحوذا على المنابر العالمية وكان مجيدا فيما مضى في إقناع الناس بوجهات نظره مهما كانت:
المحطة الأولى كانت في جلسة الافتتاح الضخمة يوم الأحد وأمام كل الوفود الحاضرة من كل أصقاع العالم. كانت مناظرة نظمت بين الوزير الإسرائيلي للدبلوماسية العامة يولي يوال أدلستاين ووزير الأوقاف الفلسطيني في السلطة الوطنية محمود الهباش.
هذا الأخير بدا مقنعا تماما وصفق له الجمهور الكبير الذي امتلأت به أحد أضخم قاعات المدينة ثلاث مرات بينما لم يحظ مقابله إلا بواحدة.
الوزير الإسرائيلي ركز فقط على ضرورة مواصلة المفاوضات بين حكومته والفلسطينيين دون توقف مركزا على ضرورة تحسين حياة الفلسطينيين الاقتصادية ورفاههم الاجتماعي فيما نجح الوزير الفلسطيني في التأكيد بأن القضية الجوهرية هي احتلال يجب أن يزول ودولة فلسطينية يجب أن تقوم ولو على جزء بسيط مما يعتقد شعبه أنها ترابه الوطني. وحتى عندما ركز الوزير الفلسطيني على أن العرب أعطوا إسرائيل فرصة لم تحلم بها أبدا وهي التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل من خلال مبادرة السلام العربية فلم يقابلوا اليد العربية الممدودة بشيء، لم ير الوزير الإسرائيلي المحشور من مفر سوى مد يده لمصافحة الهباش مع أن ذلك ليس هو المقصود بطبيعة الحال!!.
المحطة الثانية كانت في إحدى جلسات النقاش العديدة المنظمة في إطار هذه التظاهرة.
كانت بعنوان القدس وحضرها رجال دين وساسة من الديانات الثلاث. مرة أخرى بدا الطرح الإسرائيلي متهافتا دينيا وسياسيا. كان كل من على المنصة يركز على أن للقدس مكانة فريدة في الديانات الثلاث ويجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع إلا أوديد وينر المدير العام لمكتب الحاخام الإسرائيلي فهو لم يقل في كلمة مكتوبة وبلغة أنكليزية ركيكة سوى أن المدينة المقدسة لليهود فقط ويجب أن تظل كذلك، فيما أقحم السفير الإسرائيلي لدى الفاتيكان مردخاي لوي الحاضرين في متاهات لم يفقهوها عن عزوف الفلسطينيين عن المشاركة في الانتخابات البلدية للقدس ووضع المقبرة الإسلامية هناك. لم يبد أي من المتدخلين تعاطفا مع الطرح الإسرائيلي. حتى الذين دافعوا عن حقها في الوجود وفي الأمن أسهبوا في التنديد بالاستيطان وهدم البيوت والحواجز والجدار ومنع المصلين من الوصول إلى أماكن عبادتهم في القدس وحق الفلسطينيين في العيش بكرامة في دولة مستقلة يجب ألا تظل حلما بعيد المنال وهو ما أثار تصفيقا حادا عندما قاله أحد الزعامات الدينية الكاثوليكية على المنصة.
أما بطريرك الروم الكاثوليك لانطاكيا والإسكندرية والقدس غريغورس لحام فقال إنه لا يحق لأي كان أن يسيطر على القدس فهي عاصمة لعقيدة الديانات الثلاث ولا مجال لجعلها عاصمة سياسية فعلى الإسرائيليين والفلسطينيين أن يبحثوا عن عاصمة أخرى لدولتيهما. ومرة أخرى أبلى الوزير الفلسطيني بلاء حسنا في الحديث بلغة تصالحية ولكن غير متعصبة لجمهور قدر فيه ذلك.
مثل هذه المحافل هامة للغاية للوقوف على التغيرات في المزاج الغربي والعالمي تجاه إسرائيل وهو ما لا يجب التقليل من أهميته بل لا بد للفلسطينيين والعرب من دعمه بذكاء وقوة حجة واختيار فطن لمن يمثلهم فيها.