تسجيل نحو ألف حالة في 8 سنوات

الجزائر - حسين محمد

يعيش الجزائريون هذه الأيام على وقع عودة مسلسل اختطاف الأطفال الذي طفا على الساحة مجدداً بعد أشهر طويلة من اختفائه، حيث تمَّ تسجيل اختطاف عدة أطفال وقتلهم في نواح متفرقة من الجزائر لدوافع شتى، مما أدخل العائلات في حالة من الذعر والتوجس والقلق على صغارها، خصوصا عقب الكشف عن تورط مئات من الأشخاص في عصابات خطف، مما يؤشر على أنها شبكة متخصصة في هذا النوع من الجرائم.

اختطاف الأطفال آفة اجتماعية ليست جديدة في الجزائر، فقد تعرض المئات من الأطفال من مختلف الأعمار للاختطاف في السنوات الأخيرة، وأشارت إحصائيات صادرة عن الأمن المحلي إلى أن 822 طفلاً اختطفوا بين عامي 2002 و2007، بينما أكدت إحصائية حديثة صدرت منذ أيام أن 147 طفلاً تم اختطافه في السنوات الثلاث الأخيرة، مما يرفع العدد الإجمالي في ثماني سنوات إلى نحو ألف طفل مختطَف، وكشفت أن عدد المتورطين يتجاوز الـ1200، وهو رقم كبير يدل على أن هناك شبكات مختصة في هذه الجرائم.

دوافع مختلفة

بيَّن من خلال اعترافات عدد من المتورطين المقبوض عليهم، أن دوافعهم للاختطاف كانت متباينة؛ إذ أقدم بعضهم على اختطاف الأطفال بهدف إشباع رغباتهم الجنسية الشاذة كما حدث منذ نحو عام بمدينة قسنطينة، شرق الجزائر، حينما أقدم شاب شاذ على اختطاف طفل جار له وهتك عرضه ثم قتله بوحشية لضمان عدم تبليغه عنه، إلا أن التحقيقات المعمقة أدت إلى القبض عليه والحكم عليه بالإعدام، كما حدثت جرائم مماثلة في مناطق شتى بالجزائر حيث تبين من خلال تشريح جثث الأطفال المختطفين أنهم تعرضوا لانتهاك العرض قبل قتلهم.

وأقدم آخرون على اختطاف أطفال بهدف الحصول على فدية من ذويهم، وعادة ما يحرص هؤلاء على quot;انتقاءquot; أهدافهم بعناية من خلال استهداف أطفال العائلات الثرية للحصول على فديات عالية تصل إلى ما يعادل 150 ألف دولار في بعض الحالات، ويتصل الخاطفون بعد تمكنهم من اختطاف ضحاياهم بعائلاتهم ويطلبون مبالغ مالية عالية مقابل إطلاق سراحهم ويحذرونهم من مغبة إبلاغ الأمن ويهددونهم بقتل أطفالهم إن فعلوا.

وهناك دافع آخر برز منذ نحو عامين فقط يتعلق باختطاف الأطفال لانتزاع إحدى الكليتين منهم والمتاجرة بها، وقد ساد التكتمُ حول هذا الدافع على الصعيد الرسمي في بادئ الأمر قبل أن يعترف بعض الأطباء فعلا ببروز شبكات تتاجر بالأعضاء البشرية في الجزائر إثر العثور على أطفال مختطَفين في بعض المناطق شبه الخالية من الجزائر وهم أحياء يُرزقون، إلا أنه سرعان ما تبيَّنت آثار جراح في بطونهم، وبعد فحصهم اتضح انتزاع إحدى الكليتين منهم. ولم يتم إلى حد الساعة كشفُ أي عيادة خاصة تقوم بزرع الكلى سرا في الجزائر، ما دفع إلى الاعتقاد بأن الكلى المنتَزعة تكون قد هرِّبت إلى بلدان أخرى وبيعت بأثمان باهظة للأثرياء المرضى بالفشل الكلوي، وبأن بين الخاطفين أطباء مختصين.

عودة المخاوف

مع بداية العام الدراسي الجديد، عادت مخاوف الأولياء على أطفالهم مجدداً لاسيما بعد تزايد الحديث عن عودة الاختطاف في الأسابيع الأخيرة، مما دفع عدداً كبيرا من الآباء والأمهات إلى مرافقة أبنائهم الصغار إلى المدرسة وانتظارهم أمام بابها في أوقات الخروج لمصاحبتهم إلى المنزل قصد ضمان سلامتهم، وبرغم أن هذا الإجراء يزيد من أعبائهم، لاسيما إذا كان الزوجان عاملين ويجب أن يخرجا مبكرا للوصول في الوقت المحدد إلى أماكن عملهما إذا كانت بعيدة عن المنزل، إلا أنه يعدُّ الحل الأنجع لآفة اختطاف الأطفال إلى حد الساعة في ظل تصاعدها المستمر.

وتمَّكن الأمن من إحباط محاولات اختطاف عديدة أمام المدارس وهم بالزي المدني، بعد أن انتبهوا إلى محاولات الخاطفين استدراج أطفال صغار للركوب معهم في سياراتهم، كما تمكن السكان من إحباط محاولات مماثلة والقبض على الخاطفين وتسليمهم للأمن كما حدث منذ أيام في حينما نصبت إحدى العشائر كمينا لخاطفين اثنين بمدينة تلمسان، غرب الجزائر، وأوقعت بهما وسلمتهما للأمن، وكان هؤلاء قد طالبا أحد الفلاحين الأثرياء بدفع فدية بنحو 120 ألف دولار مقابل تحرير طفليه المختطَفين، فأبلغ أفراد عشيرته التي حررتهما.

ويحرص الآباء والأمهات على تلقين صغارهم مجموعة من إجراءات السلامة ومنها رفض التحدث مع أي كان حتى ولو كان جاراً أو قبول هداياه أو الذهاب إليه أثناء مناداته، بعد أن تأكد تورط بعض الجيران والمعارف في عمليات الاختطاف.

كما أصبحت العائلات تحرص على مراقبة أطفالها وهم يلعبون في ساحات أحيائهم السكنية فضلاً عن تضييق أوقات لعبهم، إلا أن الجزائريين يرون كل هذه الإجراءات غير كافية ويطالبون بإعدام الخاطفين علناً وتعليقهم في الساحات العامة لبعض الوقت أملاً بأن يرتدع بقية الخاطفين وتُستأصل شأفة هذه الآفة التي أدخلت عائلات كثيرة في حداد طويل على صغارها الذين أُختطفوا وقتلوا دون ذنب.