سعيد الحمد

مسَّ الدكتور باقر النجار استاذ علم الاجتماع في احد مقالاته الأخيرة مساً سريعاً ما يمكن ان نسميه شماتة عرب المركز في عرب الأطراف وفي تقديرنا ان المشكلة أكثر شمولية وأكثر تفصيلاً، حيث نرى الشماتة أيضاً بين عرب الاطراف بعضهم البعض وبين عرب المركز بعضهم البعض بما يؤشر ان مرض الشماتة مرض عربي بامتياز موجع فعلاً ترتبت عليه كما في محنة غزو الكويت عام 90 نتائج سيئة وتداعيات غاية في السلبية وبكل المقاييس لولا مرض الشماتة laquo;ولن نقول ثقافتهاraquo; لما حدث كل ذلك التمزق بكل تلك التمزقات التي مازال الجسد العربي ينزف من أثر جراحها العميقة على خلفية laquo;شماتةraquo; ذوي القربى أشدُّ مضاضةً واشدّ وقعاً وأطول استمراراً.
لسنا في وارد نكأ الجراح فهي مازالت مفتوحة لاستمرار مرض الشماتة ذاته الذي يعلن عن نفسه بكل قسوة وبكل قوة كلما وقعت أزمة laquo;لشقيقraquo; عربي والمؤسف في الموضوع ان المثقف العربي يلعب دور laquo;المشعللraquo; لهذه الشماتة بخطاباته وكتاباته إلى درجة يفقد فيها توازن واتزان المثقف ليتحول إلى شامت فاقع.. وهو إذا ما حاول ان يتثاقف فإنه ينتقي أحداثاً من الماضي والحاضر ويخرجها من سياقها العلمي والمعرفي ليجيرها ويستخدمها كبرهان ودليل على استحقاق الشقيق لأزمته وتبريرياً للشماتة فيه بشكل لا يرحم بما يذكرنا بمثلنا الشعبي المعروف laquo;لين طاح الجمل كثرت سكاكينهraquo;!
ما يؤسف له أيضاً ان الفضائيات laquo;غير الرسمية وهي تحظى بنسبة مشاهدة كبيرةraquo; لعبت دوراً سلبياً كبيراً في نشر ثقافة أو مرض الشماتة إلى الدرجة التي تخصصت معها بعض الفضائيات الشهيرة في لعب هذا الدور والقيام به على مدار الساعة كلما تورط laquo;شقيقraquo; في أزمة .. فهل هي فضائيات تأزيم أم انها فضائيات شعبوية غوغائية أم ان أحد أهدافها غير المعلنة لعب هذا الدور والنفخ فيهraquo;؟
كل هذا وارد ومحتمل لكن الشماتة في النهاية وبالأساس مرض عربي بامتياز كما اشرنا وككل مرض له اسبابه وله آثاره الخطيرة طالما لم يشخص ولم يعالج بل اصبحنا نتعاطى معه كطبيعة من طبائعنا وتركيبتنا العربية ولعلنا في هذا السياق سوف نلاحظ ان مرض الشماتة يصيب الانظمة والمؤسسات كما الافراد تماماً فحتى الاحزاب العربية في المعارضة والتي يجمعها خط مشترك واحد ليست بمنأى عن الشماتة في بعضها البعض إذا ما وقع حزب منها في أزمة أو ورطة وكذلك هي المؤسسات والهيئات الثقافية والفكرية التي تمثل الوعي الأعلى في المجتمعات تمارس الشماتة في بعضها بما ينسحب على الأفراد في المؤسسة الواحدة وربما في البيت الواحد.
هل هذا نتيجة تربية ونتيجة ثقافة ونتيجة سلوكيات أم أنها نتيجة laquo;حسدraquo; مضمر ومسكوت عنه يعلن عن نفسه ويكشف عن وجهة ساعة المحنة يتعرض لها طرف فيشمت الطرف الآخر أم أنه نتيجة كل هذه الحزمة المغلوطة في التركيبة العربية؟
وفي هذا الصدد تحضرنا من جديد شماتة المركز في الاطراف وهي نتيجة موقف استعلائي وثقافة استعلائية بالأصل بالرغم من ان المركز استفاد استفادة كبيرة من الاطراف وعلى كل المستويات لكن ظلت عقدة الاستعلاء تلعب دور المحرض والمحرك ولا تجد متنفساً لها للتعبير عن كوامنها الا في لحظة الأزمة يقع فيها أحد الاطراف لتبدأ وصلة laquo;ردحraquo; الشماتة التي تكشف هشاشة شعاراتنا الثقافية المتداولة بكثرة كثيرة.
نتلكم هنا عن ظاهرة الشماتة على مستوى العلاقات الانسانية بين العربي والعربي وليس لنا علاقة بالعلاقات الرسمية بين الأنظمة العربية فتلك حكاية أخرى.. فما يهمنا درجة دفء العلاقة بين العربي والعربي ومدى حضاريتها التي لن تتحقق وثقافة الاستعلاء تلعب دورها في الشماتة وقت المحنة والأزمة بما يورث في العلاقات الإنسانية بين الأفراد وكراهية دفينة ومعلنة وتوجساً وتربصاً ما كان ليكون لولا هذا الكمّ من الشماتة نمارسه رقصاً على جراح القريب في الثقافة وفي الفكر وفي الإنسانية وعلاقات العربي بالعربي.. وهي مشكلة بل معضلة في تفتيت الروح العربية وتمزيق الوجدان لدى الاجيال الجديدة التي ستخرج من المحنة مصدومة وقد تضاعف داخلها الاحساس بأهمية laquo;ثقافةraquo; الشماتة في الآخر العربي وهي محنة ستستمر طويلاً إذا لم نتداركها بتشخيص وعلاج عربي ndash; عربي لا يحمل ارث الشماتة.. بما يطرح سؤال هل نحن قادرون على ذلك؟؟