سعد محيو
كيف يمكن أن نفهم، ناهيك عن أن نُفسّر، الانفجار الجديد الراهن في ظواهر العنف الإرهابي، من الطرود اليمنية والأوروبية الملغومة ، إلى استئناف العمل كالمعتاد في المسلخ الطائفي العراقي، مروراً بانتعاش جيل جديد من المنظمات المتطرفة في العالم الإسلامي؟
التفسير صعب . وهو أشبه بالبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، أو محاولة العزف عى آلة موسيقية من دون أوتار . المسألة كلها محاطة بالكثير من الضباب الغامض، مع نذر يسير وغير كافٍ البتة من النور الخافت .
ولذا، وفي ظل هكذا أوضاع، لا يبقى أمامنا سوى طرح الأسئلة، والتساؤلات عما يجري هذه الأيام في (وبين) الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، مع الاعتراف سلفاً بأن أياً من هذه الأسئلة غير ldquo;بريءrdquo;:
السؤال الأول: من أين تحصل التنظيمات الإرهابية على التمويل اللازم للقيام بنشاطاتها؟ كل من أراد العمل في الشأن السياسي يعرف علم اليقين أن أي حزب أو تيار، مهما صغر حجمه، لا يستطيع أن يقوم بعمل واحد حتى ولو اقتصر على إصدار بيان، من دون أن يكون لديه رصيد متواضع في البنك . وبالطبع، حين يتعلق الأمر بعمليات إرهابية بالغة التعقيد تقنياً وتحتاج إلى كادر مُدرّب على أعلى المستويات، مُجهّز بأحدث الأسلحة من صواريخ وعبوات ناسفة، وأجهزة توقيت واتصالات آمنة، فيجب أن نتحدث فوراً عن ملايين الدولارات .
الأفراد الأثرياء، مهما علا كعبهم المالي، ليسوا قادرين على توفير تمويل للمنظمات العنفية . وإذا ما استطاعوا لفترة، فلن يكون في وسعهم مواصلة الإنفاق على مشروعات مُستنزفة لا عائد لها . ولذلك، في حكم المؤكد أن ثمة حكومات أو أجهزة استخبارية تقوم بهذا الإعداد والتمويل .
هذا واضح في دول كباكستان والعراق واليمن وإيران تقيم فيها أجهزة الأمن علاقات تبدو علنية أحياناً مع منظمات عنف محددة . كما هي واضحة أيضاً في بلدان أخرى كالولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo;، اللتين كشفت وثائق سرية نُشرت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي أنهما أنشأتا وموّلتا بشكل سري وغير مباشر الكثير من المنظمات اليسارية، ثم الإسلامية المتطرفة، لتحقيق أهداف متنوّعة .
السؤال الثاني: من المستفيد الأكبر من العمليات الإرهابية؟
في أوروبا، وبعد موجة الإرهاب اليساري المتطرف في الستينيات والسبعينيات، تكشّف لاحقاً أن الاستخبارات الأمريكية أرادت من وراء تكوين وتمويل هذه المنظمات اليسارية المتطرفة تشويه صورة الاشتراكية لدى الرأي العام الأوروبي في خضم الحرب الباردة .
وفي العالم الإسلامي، يتبدى لنا الآن أن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول أدت إلى تدمير العراق وأفغانستان، وزرعت الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط الكبير، وعبّأت الرأي العام الغربي ضد عدو جديد هو الإسلام الذي يواصل الإرهاب الأعمى تشويه صورته .
السؤال الثالث: إذا ما كانت هذه التحليلات صحيحة، فهل يعني ذلك أن كل الشبّان العرب والإسلاميين المنخرطين في ما يسمى ldquo;جهاداًrdquo;، والذين ينسف بعضهم نفسه تنفيذاً لأوامر أمرائه ldquo;الطاهرينrdquo;، هم مجرد أدوات في خدمة مختلف أنواع أجهزة الاستخبارات؟
هم كذلك بالفعل، لكنهم لا يعلمون . وهكذا كان الأمر (وربما اليوم أيضاً) بالنسبة إلى اليساريين الأوروبيين الذين كانوا يظنون أنهم يقاتلون ويُقتلون من أجل الاشتراكية، فإذا بهم يُستخدمون في الواقع لقتلها .
الإرهاب؟ يا لها من لعبة أمم قديمة، ولاأخلاقية، وقذرة .
التعليقات